شعار قسم مدونات

عن الحياة في سجون العسكر في مصر

blogs - معتقل

السجن هو الملمح الرئيسي لمصر اليوم، بل كل يوم، منذ نبي الله يوسف وحتى الآن يعتبر السجن هو المكان الذي تقهر فيه الإرادة فلا شيء أغلى عند الإنسان من حريته. فالحرية فريضة يجب أن يحافظ عليها كل كائن حي. وعن السجن قال يوسف عليه السلام هو قبر الأحياء وبيت الأحزان وهو دار ابتلاء مودات الإخوان وهو مكان ندم المذنبين والأعداء.
 

ثلاث سنوات قضيتها في سجون الانقلاب العسكري في مصر في الفترة من 17 سبتمبر 2013 إلى 25 سبتمبر 2016، سنوات قضيتها في غربة داخل وطني أبحث عن عدل مفقود في قضاة تركوا رسالتهم من أجل الحفاظ على لعاعة دنيوية. لم يكن هناك اتهام محدد فهناك قائمة جاهزة من عينة قلب نظام الحكم وتكدير صفو السلم الاجتماعي والانتماء لجماعة إرهابية وتوزيع منشورات سرية وإثارة الشارع ضد العسكر وغيرها. قائمة مكررة يعاينها كل من تعثر به ظروفه للوقوف أمام النيابة العامة التي تلعب دور الحكم والجلاد فلا تحقيق ينفع ولا رجاء يشفع.
 

الحياة داخل سجون العسكر ترتبط بأوضاع البلد بصفة عامة فكلما كان هناك تصعيد من الجماعة داخل الشارع المصري كان هناك تصعيدا ضد المعتقلين داخل السجون.

علامات أساسية يجب أن ينتبه لها المقبلون على سجون العسكر في مصر، البداية في حفلة الاستقبال، يتلقى المعتقل سيلا من الاعتداءات والشتائم المتنوعة "كارت إرهاب" حتى لا يفكر المعتقلون في التمرد أو إثارة أزمات داخل السجن. الرد البشري الطبيعي في هذه الحال هو من اعتدى عليك فرد عليه بالمثل.

وهذا ما يحدث مع السياسيين الذين يقاومون فيركن السجان إلي المهادنة ومحاولة امتصاص غضب المعتقلين. محاولات متعددة لكسر الإرادة وكلما كانت المقاومة حادة ومدروسة كانت نتيجتها أفضل. بعد وقت قليل سيلجأ المخبرون والعساكر إلى المعتقلين للاستجداء للحصول على المال والخبرات والخدمات المتنوعة التي يمكن أن يقدمها المعتقلون السياسيون فهم علامات في المجتمع في نهاية المطاف والسجان يدرك جيدا دورهم في هذه المجتمع. أطباء الإخوان كانوا يقدمون الخدمة العلاجية مجانا للعساكر والجنائيين فضلا عن الاستشارات الطبية للضباط.
 

الحياة داخل سجون العسكر ترتبط بأوضاع البلد بصفة عامة فكلما كان هناك تصعيد من الجماعة داخل الشارع المصري كان هناك تصعيدا ضد المعتقلين داخل السجون، ولأن الصفوة تقبع في هذه السجون فإنها تنظم وترتب حالها المعيشي بشكل رائع وبديع في نوع من التكافل والتعاون. الزنازين ضيقة جدا لا تسع 10 من الأفراد ولكنها تحوي بداخلها ما يربو على الثلاثين يحصل كل منهم علي أقل من 50 سنتيمتر وتسمي "نمرة" وهي كل ماله في السجن لا يتحرك منها إلا قليلا في تريض أو زيارة. وتتفنن مباحث السجون في تكدير المعتقلين بسبب أو من غير سبب، فمثلا تنقطع المياه أو الكهرباء ولك أن تتخيل ثلاثين إنسانا في زنزانة بهذا الحجم مع انعدام التهوية والمياه والكهرباء.
 

الزيارة عبارة عن موسم يومي يبحث فيه رجال المباحث عن رزقهم من خلال استنزاف أموال أهالي المعتقلين مقابل السماح بدخول أشياء معينة مثل الكتب أو المخبوزات أو أدوات خاصة.

الحديث عن الوضع الصحي المتردي أمر يندى له الجبين خجلا، للانحطاط الانساني لدي القائمين علي أمر المعتقلين في مصلحة السجون. والأمر هكذا فلا تتعجب إذا علمت أن انتشار الامراض هو الأساس وتبادلها فيما بين المعتقلين أمر طبيعي جدا مع انعدام الرعاية الصحية تماما من قبل مباحث السجن.

الاهتمام بالوضع الصحي للسجناء يكون من داخلهم إذا وجد بينهم أطباء يقومون بعملية الرعاية والحدث من تفاقم الأمراض لا سيما الموسمية منها كنزلات البرد وغيرها. معتقلون كثر فقدوا حياتهم بسبب الاهمال الطبي داخل السجون. ولا عزاء في حملة داخلية الانقلاب الصحية التي يلتقطون فيها الصور داخل السجون حيث لا يفقه أطباء الداخلية شيئا من قوانين الطب والعلاج.
 

الزيارة عبارة عن موسم يومي يبحث فيه رجال المباحث عن رزقهم من خلال استنزاف أموال أهالي المعتقلين مقابل السماح بدخول أشياء معينة مثل الكتب أو المخبوزات أو أدوات خاصة. في أحسن أحوال الزيارة كانت مدتها ساعة لكن الطبيعي أنها لم تكن تتعدي 10 دقائق طوال فترة اعتقالي. والزيارة هي الفترة القليلة التي لا تتعدي الدقائق التي يلتقي فيها المعتقل بأهله يبث فيها شكواه وألمه وأمله في نفس الوقت. هي آلام مختلفة يواجهها معتقلو الرأي في مصر إلا أنهم يتكيفون بشكل بديع مع الحالة التي وضعهم فيها الانقلاب للنيل من إرادتهم.
 

ولأن المعتقلون مثقفون ومنظمون تختلف حياتهم عن الجنائيين فتجد برامج ثقافية وسياسية وتربوية وتلقي تفاعلا من كل المعتقلين مع الإقبال على القراءة وتلقي الثقافات المختلفة. محاضرات ثقافية في كل اتجاه كل يدلي بدلوه هذا يحاضر في الطب وذاك في الاقتصاد وهذا في الإعلام وآخر في السياسة والعلوم الشرعية وغيرها. فيحول السجن إلى مدرسة فكرية متنوعة لن يجدها إنسان في أي مكان. إنهم يقهرون ظروف الاعتقال بإرادة حديدية وعزم لا يلين.
 

هي مأساة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، هنا فقط فاض على الإحساس بقصيدة الرائع هاشم الرفاعي رسالة في ليلة التنفيذ:

أبتاه ماذا قد يخطُّ بناني والحبلُ والجلادُ ينتظراني

هذا الكتابُ إليكَ مِنْ زَنْزانَةٍ مَقْرورَةٍ صَخْرِيَّةِ الجُدْرانِ

لَمْ تَبْقَ إلاَّ ليلةٌ أحْيا بِها وأُحِسُّ أنَّ ظلامَها أكفاني

سَتَمُرُّ يا أبتاهُ لستُ أشكُّ في هذا وتَحمِلُ بعدَها جُثماني.

وللحديث بقية..

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان