شعار قسم مدونات

اقتصاد الحرب في اليمن (1)

BLOGS- اقتصاد اليمن

يُعرف اقتصاد الحرب بأنه تغيير هيكلي في بنية اقتصاد الدولة التي تمر بحرب، بحيث يُخصص جزء كبير من موارد الدولة لمواجهة نفقات الحرب والتسليح، في المقابل يُخفض الإنفاق العام ليقتصر على تأمين الاحتياجات الضرورية للمواطن، أي أن المشاريع التنموية والرفاه الاجتماعي وغيرها من الأنشطة التي تشرف عليها الدولة تتراجع وتصبح أمورا ثانوية.
 

التوضيح أعلاه يتناول الاقتصاد في الدول التي تدخل حروبا خارجية، لكن التوصيف الأدق لما يحدث حاليا في اليمن -رغم التشابكات إقليميا ودوليا- هو حديث عن حرب داخلية، لذا يلزمني إيجاد توضيح أنسب لمفهوم اقتصاد الحرب ليتوائم مع طبيعة الصراع على الأقل في إطار فكرة المقال، ولذا ما أشير إليه بعبارة اقتصاد الحرب في اليمن هو الحديث عن استخدام الاقتصاد كأداة في الحرب وتأثير الحرب على الاقتصاد اليمني.
 

كانت تداعيات حرب الخليج 1990 وعودة العمالة اليمنية من السعودية وبقية دول الخليج من أكبر الهزات التي عصفت بالاقتصاد اليمني خلال الـ 26 عاما الماضية.

(1)
الاقتصاد اليمني قبل 2011
يسرد فريد هاليداي واقعة لخصت له واقع الاقتصاد في اليمن، يقول "قمت بتعريف طالبة دكتوراه مهتمة باليمن وتتحدث بعربية جيدة إلى رجل من أثرياء اليمن وصديق جيد لرئيس الجمهورية -حينها علي عبدالله صالح-، تحدثت الطالبة إلى الرجل وعبرت عن رغبتها في كتابة أطروحة الدكتوراه عن الاقتصاد اليمني، استمع المليونير بعناية ثم قال بحسرة: سيدتي لا بد أن أقول لك شيئا، لا يوجد شيء اسمه الاقتصاد في اليمن".
 

هذه التصوير يعكس بصورة فجة الواقع الاقتصادي في اليمن، فلا يمكن قراءة الاقتصاد من البيانات المتداولة والإحصائيات الحكومية والدولية عن اليمن، فمستوى النشاط الاقتصادي ودخل الفرد والميزان التجاري وموارد الدولة غير مسجلة بصورة دقيقة ويتم التلاعب بها، فمن جانب هناك موارد أساسية في الدولة لا يمكن تقديرها أو معرفتها، فمثلا حوالات المغتربين اليمنيين في دول الخليج وفي الغرب غير مسجلة، وهي تنعكس بشكل مباشر على مستوى معيشة الأسرة والنشاط الاقتصادي، بحيث صار النشاط الاقتصادي ومستوى المعيشة صادم للمتحدثين عن الفقر المدقع داخل اليمن بناء على البيانات المحلية والدولية.
 

من جانب آخر السياسة هي المحرك الأساس للاقتصاد في اليمن، فموارد الدولة المسجلة غير دقيقة بسبب الفساد وأيضا مسألة الإنفاق غير المقنن والذي استند في الأساس على سياسة صالح في شراء الولاءات وبناء شبكة مصالح لتثبيت حكمه، يُضاف إلى ذلك عمليات تهريب البضائع والتهرب الجمركي والضريبي والتي تجعل من قراءة الميزان التجاري المعلن صعبا إن لم يكن مستحيلا، وجوانب أخرى تطول في موضوع إدارة الدولة اليمنية للاقتصاد وواقع الاقتصاد اليمني، ويمكن تلخيص الأمر بأنه كان هناك اقتصاد رسمي واقتصاد موازي غير معلن.
 

ومع هذا كان واضحا بأن الاقتصاد الرسمي والاقتصاد الموازي يتجهان نحو الانهيار بسبب تراجع مصادر الإيرادات، فإيرادات النفط والتي تُشكل سبعين بالمائة من ميزانية الدولة تراجعت إلى النصف منذ عام 2003، فإنتاج النفط في اليمن تراجع من 438 ألف برميل يوميا في 2003 إلى 270 ألف برميل يوميا في 2010، بينما زاد الاستهلاك المحلي أكثر من ثلاث مرات خلال نفس الفترة من 47 ألف برميل يوميا في 2003 إلى 157 ألف برميل يوميا في 2010، أي أن تصدير النفط تراجع من تقريبا 340 ألف برميل يوميا في 2003 إلى 120 ألف برميل في 2010، دخول اليمن في مجال تصدير الغاز لم يضف رقما مهما إلى إيرادات الدولة ويشوبه غموض وفساد.
 

الاقتصاد اليمني هو اقتصاد استهلاكي، فاليمن تستورد ما يتجاوز ثمانون بالمائة من احتياجاتها من الخارج، أي أنه لا يوجد أمن غذائي وهناك استنزاف للموارد المالية.

من جانب آخر تراجعت فرص اليمنيين في الهجرة إلى الخارج، كانت تداعيات حرب الخليج 1990 وعودة العمالة اليمنية من السعودية وبقية دول الخليج من أكبر الهزات التي عصفت بالاقتصاد اليمني خلال الـ 26 عاما الماضية، وعلى الرغم من عودة العمالة اليمنية إلى السوق الخليجية بعد عام 2000 إلا أنها ظلت ضئيلة مقارنة بالنمو السكاني في اليمن ومعدل البطالة، أيضا صعود ظاهرة الإرهاب والتصنيف الأمني لليمن زاد من صعوبة هجرة اليمنيين إلى الخارج سواء لدول الخليج أو للغرب.
 

لا بد الأخذ بعين الاعتبار مؤشرات أخرى، مثل إن الاقتصاد اليمني هو اقتصاد استهلاكي، فاليمن تستورد ما يتجاوز ثمانون بالمائة من احتياجاتها من الخارج، أي أنه لا يوجد أمن غذائي وهناك استنزاف للموارد المالية، كذلك دورات الصراع المتكررة، فاليمن وخلال 20 سنة دخلت في 7 حروب داخلية كبيرة، بالإضافة إلى تركز النشاط الاقتصادي والتنمية والرفاه في مناطق محددة وحرمان معظم مناطق اليمن منها بسبب سوء الإدارة وتسييس الاقتصاد بشكل كبير.
 

حتى قبل الربيع العربي الذي لم يتوقعه أحد، كُتب كثيرا عن الانهيار الوشيك للدولة من باب الاقتصاد، في 2008 نشر المعهد الملكي البريطاني مقالا لجيني هيل -رئيسة مكتب اليمن في المعهد- تتناول الخطر الاقتصادي بعنوان "اليمن والخوف من الانهيار"، ونشر Christian Science Monitor مقالا بعنوان "اليمن: لا تهتموا بانور العولقي -الاقتصاد هو الخطر الاكبر"، ونشرت دورية الشرق الأوسط مقالا لنورا ان كولتون في 2010 بعنوان "اليمن: الاقتصاد المنهار"، هذا عدا التقارير الدولية عن الوضع الاقتصادي ومستوى الفقر وسوء التغذية وغيرها.
 

من الواضح جدا بأن اليمن عاشت اقتصاد الحرب منذ ثلاثة عقود على الأقل، اقتصاد يُتلاعب به كأداة حرب داخلية وأداة سياسية، حتى قبل أن تدخل في أتون الحرب الداخلية الأخيرة التي اشتعلت في سبتمبر 2014 عند استيلاء الحوثيون على صنعاء وانقلابهم على الدولة.
 

لم يؤدي الوضع الاقتصادي المتأزم في اليمن إلى انهيار الدولة، هذا يؤكد بأن قياس الاقتصاد اليمني بناء على الاقتصاد الرسمي غير دقيق.

(2)
الربيع العربي والاقتصاد في اليمن
قال لي صديق يبحث في قضايا الشرق الوسط: دخول اليمن في الثورات العربية لم يكن مستغربا لكنه محزن، كل المؤشرات كانت تقول بأن البلد الأفقر عربيا لن يتحمل زلزال سياسي واجتماعي كهذا، فالاقتصاد اليمني كان اقتصاد حرب، وبقيام ثورة الشباب في 2011 تعقد الأمر أكثر، فدولة باقتصاد حرب تدخل في أزمة سياسية وحرب حقيقية لاحقة. تداركت دول الخليج والمجتمع الدولي الوضع في اليمن مؤقتا بالمبادرة الخليجية وانتقلت اليمن إلى تسوية سياسية.
 

التسوية السياسية لم تسعف الاقتصاد، فبعد 2011 تكثف استخدام الاقتصاد كأداة للضغط والتربح السياسي، فمن جانب ترتب على التسوية السياسية التزامات اقتصادية بالغة، ومن جانب آخر زادت الهجمات على أنابيب النفط مما أدى إلى انخفاض حاد في الإيرادات بسبب توقف الإنتاج، وتضاعفت عمليات التخريب لمنشئات الخدمات العامة، هذا عدا التركة الثقيلة التي ورثتها الإدارة الانتقالية من التضخم في القطاع العام وموجات الاحتجاجات الشعبية في الشارع وداخل المؤسسات الرسمية.
 

مع هذا لم يؤدي هذا الوضع الاقتصادي المتأزم إلى انهيار الدولة، هذا يؤكد بأن قياس الاقتصاد اليمني بناء على الاقتصاد الرسمي غير دقيق، الاقتصاد الموازي أو الاقتصاد الذي لا تشرف عليه الدولة كان هو أساس استمرار الحياة الاقتصادية وإن ساءت.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.