شعار قسم مدونات

لعنة الإنسان

blogs - Aleppo
الإنسانية الملعونة.. الإنسانية كلمة أصبحت تستفز كل ضمير حي، كلمة نسمعها من القاتل أكثر مما نسمعها من المقتول، من الظالم أكثر من المظلوم، حتى أصبحت وكأنها وضعت لتخدير الجراح وتسكين الآلام.. الإنسانية أصبحت لعنة على الإنسان في عصر العولمة والتطور، كلما زاد الإنسان تطورا وعلما، زاد انحدارا وانحطاطا.

تأملت كثيرا في هذه الكلمة، في الماضي كنت أحسبها تعني الضمير الذي في جوف كل إنسان، أو تلك الأخلاق المكتسبة بالفطرة، أو حب الخير للغير أيا كان… ومع مرور الأيام، أدركت معانٍ أخرى للإنسانية، أو أنها تطورت معانيها وتوسعت مجالاتها فأصبحت شاملة تستخدم بلا كيف ولا متى ولا حتى لماذا.

كيف يفهم الإنسانية ذلك الأب الصارخ الذي يرى طفله ينازع الموت، وينظر إلى السماء ويقول يا الله يا الله؟

تارة أحسب المقصود منها الحقوق أي حقوق؟! حقوق الإنسان الغربي أو الذي يعيش في الغرب، لأن الكثير هنا يقول: الإنسانية في الغرب، ولأن الإنسان الغربي ينعم بحقوقه كاملة وافية، في التعليم والصحة والعلاج والأمن والرأي و … و.. إلخ. بينما الإنسان الشرقي لا يزال في التيه يبحث عن معانٍ لهذه الكلمات العجيبة "الإنسانية، الحقوق، الضمير". 

وتارة أحسب الإنسانية كلمة تطلق على الأموات، أو أشباه الأموات ممن يتنفسون كالأحياء، بل يأكلون ويشربون. لأن الكل يصرخ ويستجير بالإنسانية "إني مظلوم فانتصر"، وهي لا تجيب ولن تجيب.

وتارة أحسبها كلمة تطلق على الحمار السائب، يركبه الساسة والطغاة والظلمة والسفاحون والمجرمون والقتلة، وأحياناً يركبه المظلومون والمقهورون. يُسيّرون ذلك الحمار حسب وجهتهم وطريقتهم. ولا أزال أبحث في المعاجم والقواميس العلمية والنفسية عن معنى الإنسانية  أو التي تسمى الإنسانية..

كلهم يلهث خلف المصالح، وإن كانت تلك المصالح تستلزم جسورا بشرية يطؤها ويئدها ثم يصنع من جثثهم منبرا يرتقيه ليهتف: لقد انتصرت الإنسانية.

أتساءل… كيف يفهم الإنسان معنى الإنسانية؟ كيف يفهم معنى الإنسانية من يستفيق على أزيز الطائرات، وضرب الراجمات؟ كيف يفهمها من بات يفترش الركام، ويلتحف النجوم ويتنفس أدخنة الحروب؟
كيف يفهم الإنسانية ذلك الأب الصارخ الذي يرى طفله بين كفيه ينازع الموت، ويصارع الآلام والأسقام، ولا يستطيع فعل شيء سوى النظر إلى السماء وقول يا الله يا الله؟

كيف يفهم الإنسانية ذلك الطفل الذي يقف أمام منزله المقصوف يبحث عن بقايا أمه وعن صوت أبيه وعن لطف أخيه؟ كيف يفهم الإنسانية؟ من لم يشعر يوما من الأيام أنه إنسان، وأن الذي أمامه يملك ذرة من الشعور أو حتى تأنيب ضمير.

من يقنع ذلك المفجوع والمظلوم بأن في الأرض من يهتم بأمر الإنسان؟ لقد أدرك أن الإنسانية أبشع لعنة من لعنات البشر، كلهم يلهث خلف المصالح، وإن كانت تلك المصالح تستلزم جسورا بشرية يطؤها ويئدها ثم يصنع من جثثهم منبرا يرتقيه ليهتف: لقد انتصرت الإنسانية.. "قتل الإنسان ما أكفره"، ولا أزال أبحث عن معنى الضمير.. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.