شعار قسم مدونات

ماذا تبقى من حلب يا عمرو؟

Syrians evacuated from eastern Aleppo, light a fire using plastic bags to keep warm, inside a shelter in government controlled Jibreen area in Aleppo, Syria November 30, 2016. REUTERS/Omar Sanadiki

ماذا تبقى من حلب يا عمرو؟ عندما تشاهد سوريا منقسمة إلى منصات عرض أزياء ومنصات عرض أشلاء، وترى الأنوار في النصف الأول هادئة ومُبهجة والحضور يتمتع بهذا الحدث، وتعلوا أصوات الموسيقى المكان إلى حد الدخول في غيبوبة فردوس، وتصاب في انفصام حول حقيقة المكان، أهو ذاته الذي في جهته الأخرى تلتحف السماء أضوية قنابل الغاز السامة وتفترش الممرات رؤوس أطفال وبقايا أجساد عاث بها النظام الأسدي الروسي السادي تنكيلاً وفساداً؟ أم أنك تهذي؟

 

عند النظر إلى مستشفى الأطفال الذي لم يرحمه النظام وقضى على "الخدج" خوفاً من أن يشتد أزرهم ويجندون أنفسهم لمحاربة طغيانهم وفضح تاريخهم الأسود.

وحينها يداهمك سؤال .. هل يتم تقييم أداء العارضات على مدى نعومة ودلال خطواتهن على الممر المزركش ويمنحن الثناء على أثر خروجهن بعرضٍ مرضي برعاية من وزارة السياحة ويتم مكافأتهن على صمودهن في تبديل الأثواب الفاضحة لإرضاء العملاء النظاميين؟ بينما يتم القضاء على صمود وإيمان المدنيين في سوريا، ويتم قصف كل من يفكر في البقاء على الممر المدجج في الدماء ومن تسول له نفسه بالوصول إلى المستشفى يكافأ باستهداف المكان الآمن المتبقي له، فإما انتهاء العرض أو إنهائه ويأتي هذا الحدث برعاية روسيا وإيران وأمريكا لإرضاء عملائهم في إسرائيل؟
 

هذا التناقض كفيل بأن يفقدك عقلك بكل بساطة لأن أسبوع الموضة في اللاذقية انتهى بينما سنوات الحرق في سوريا لم تنتهي بعد!
 

وعند النظر إلى مستشفى الأطفال الذي لم يرحمه النظام وقضى على "الخدج" خوفاً من أن يشتد أزرهم ويجندون أنفسهم لمحاربة طغيانهم وفضح تاريخهم الأسود، جعلنا نعلم بأن الواقع أمرُ وأقسى من أن نُسطرهُ ببضع كلمات، عندما شاهدت الممرضة وهي تحتضن زميلتها وتبكي بحرقةٍ علمت بأن الحرب النفسية بدأت تأتي أكلها، وكأن لسان حالها يقول" تعبت، يكفي" وهذا ما يهدف إليه النظام الروسي بقصفهِ العنيف على حلب ومدن حمص وإدلب ومدن سورية أخرى عديدة.
 

هذه الدوامات السياسية الحربية التي أطاحت بالشرق الأوسط أصبحت مُتعبة ومستنزفة والقادم لا يُبشر بحدائق الياسمين.

التركيع النفسي أشد بطشاً من القتل، فهم يعلمون أن هناك أسبوع موضة في اللاذقية مسقط رأس النظام ويعلمون بأن أتباع النظام لا يطالهم قنابل ولا يقض لهم مضجعٌ خوفاً من الموت، ويتمتعون بحق الاحتفاظ بأبنائهم! وهذا يجعلهم يهمسون فيما بينهم قائلين.. لماذا لا نزحف إليه راضون به ما دام هو باقٍ على جثثنا ولو كره المعارضون؟ اليس هذا هو الواقع؟ عامل الوقت يلعب دوراً أساسياً للنظام الأسدي الروسي، فإما أن ترجعوا وإما أن تبادوا! وكأنه يقول ومن معه لنعيد بناء سورية بوتين ولنتقاسم البلاد ونوزع الولاء وننتهي من لعبة الموت هذه! لأن جبهاته مُتعبة واقتصاده مدين والعرب كل منهم متخذاً مكاناً شاسعاً متنحياً عن أي تدخل أو "فزعة" للشعب السوري الذبيح.
 

فلم يعد إطالة عمر الحرب في سورية من صالح أي الجهات التي تتسابق على الكعكة وحصتها منها، لذلك سأسأل مراسل الجزيرة في حلب الجريحة عمرو الحلبي، كم تبقى يا عمرو من حلب؟ ومن صمودهم؟ ومن إيمانهم؟ هل نراهن على ما تبقى منهم؟ أم نتأمل في الجيش الحر والمعارضة والجبهات الرافضة للنظام الأسدي بأن يقلبوا المعادلة؟

أحقاً هناك من يدافع عن المدنيين؟ ماذا يقولون لك؟ كيف تنام الأمهات المفجوعات بأبنائهن؟ كيف ينام الفتى الذي فقد أهله؟ وهل يدركون الليل من النهار في حلب؟ هل السماء دائماً سوداء هكذا؟ ألا تُشرق الشمس يا عمرو؟ هل فقد المرابطون إيمانهم بنا؟ ماذا يقولون عن الآمنين في بيوتهم؟

هذه الدوامات السياسية الحربية التي أطاحت بالشرق الأوسط أصبحت مُتعبة ومستنزفة والقادم لا يُبشر بحدائق الياسمين.. فكيف ترون الغد يا عمرو..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.