شعار قسم مدونات

الراقصون على جراح حلب!

blogs- حلب

تنتشر بعض التغريدات والرسائل التي تحمّل بعض المشايخ والدعاة وزر ما يجري للشعوب المنكوبة في الثورات العربية عامة، والثورة السورية خاصة. وكأن لسان حالهم يقول أن الطغاة الذين قتلوا الشعوب وهجروها ودمروا المدن وساووها بالأرض معذورون فيما يفعلون، ولا يتحملون تبعات ما يحدث بل المسؤول عنها هم المشايخ الذين حرَّضوا على الثورات، وباركوا قيامها، والشعوب التي استجابت لهذه الدعوات فكان يجب أن تدفع ثمن خروجها على ولاة الأمر الذين يحرّم بعض الشيوخ الخروج عليهم ولو قتلوك وسحلوك وانتهكوا عرضك ودمروا بيتك.
 

في الوقت الذي يحاصر فيها نظام الأسد العلماني نظرياً، والروس المسيحيون وميليشيات شيعية توافدت على سوريا من بلدان شتى يحاصرون حلب، ويقصفونها يومياً براً وجواً نجد من بيننا من لا يحمّلهم المسؤولية عن جرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبونها بحق السكان المدنيين العزل والتي لم يجرؤ حتى عرب الجاهلية على فعلها مع المسلمين المستضعفين، بل يحملونها للشعب السوري الذي قدّم عشرات ملايين القتلى والجرحى والمشردين، ومدناً مدمرة بأكملها، لأنه خرج في مظاهرات سلمية تهتف بالعيش والحريّة والعدالة الاجتماعية. أي حقارة وأي سفالة يملكها هؤلاء ليقولوا ذلك؟، وأي قلب يملكه هؤلاء البشر -إن كانوا بشراً- ليقعدوا في كراسيهم الوثيرة وموائدهم العامرة ويحملوا الشعوب وزر إثم سفك دمها؟!
 

ولنسعى كلٌّ في موقعه، ووفق قدرته وبكل ما نملك لتضميد الجراح، وإيواء المشردين، وطبابة المصابين، ورعاية الأيتام، وتخفيف معاناة الأسر، وإغاثتهم فقد عانوا الكثير.

والأسوأ من ذلك أن تأتي هذه الشماتة مغلّفة بعبارات ومصطلحات دينية مثل السمع والطاعة لولي الأمر، وحرمة الخروج عليه ما لم تروا كفراً بواحاً، وحرمة انتقاد الحاكم في العلن، ووجوب نصحه سرّا، وفرض الدعاء له في خطبة الجمعة، وأن ولي الأمر هو ظل الله في الأرض، وخليفته فيها، وطاعته من طاعة الله ورسوله، والمظاهرات حرام، والتعبير عن الرأي بدعة، والخارجون على الحكام المغتصبين للسُلطة فيها هم كلاب أهل النار، وغيرها من العبارات والمفردات التي تلوي أعناق النصوص الدينية لخدمة أهداف هذا التيار الديني أو ذاك، وتلميع صورته، والدفع برموزه بوصفهم ورثة الأنبياء، والحق المطلق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأن اجتهادهم قطعي لا يقبل المناقشة ولا المناظرة، وأن حُكمه حكم النص الشرعي القطعي الذي لا اجتهاد فيه ولا فتوى ولا استنباط ولا رأي أو نظر.

على الجانب الآخر من مشهد الرقص على جراح حلب، نجد الاحتفالات والمباركات من حفنة بشر ممن يُسمون بالمثقفين الحداثيين، والتنويريين العصريين، والفرحين لجراح الشعب السوري الذي دعشنوه، ووصفوه بالإرهاب، وأنه يحتضن القتلة والمجرمين الذين جاءوا من وراء الحدود نصرةً لإخوانهم، وأنهم عملاء للصهيونية العالمية، وجزء من المؤامرة الكونية على سوريا البعثية القومية التي تتزعم لواء الممانعة والمماتعة مع حزب الله وإيران ضد إسرائيل، وقوى الاستكبار العالمي. فيما يتجلى المشهد الأسوأ في الطائفيين الذين وجدوا في الدم السوري الفرصة لإعلان طائفيتهم القبيحة، وتعصبهم الوقح، رافعين شعاراتهم الطائفية ومستعيدين لتاريخ الفتنة القديم، ومحاولة إسقاطها على ما يجري للسوريين في حلب والشام عموماً من قتل ودمار وتشريد وإبادة.

فيما تبارى بعضهم لإظهار الاستهزاء ببعض الصور الإنسانية الرومانسية المغلفة بطعم الدم والحصار والجوع لزوجين سوريين شابين يغادران حلب وقد كتبا على الحائط: راجعين يا هوى باعتباره الرجل الظاهر في الصورة ديوثاً، لا يغار على عرضه رغم ظهور المرأة بالنقاب الذي يغطي معظم وجهها، ولا يظهر منه إلا عيناها. ألا يكفي صمت أنظمتنا، وتواطؤ بعضها، وعجزها، وعجزنا عن رفع هذا الضيم عن السوريين، وإغاثتهم، ليأتي مثل هؤلاء ليزيدوا الجراح عمقاً، والألم وجعاً بساديتهم وجهلهم وطائفيتهم ولا إنسانيتهم؟
 

الراقصون على الجراح الحلبية فهؤلاء ينبغي أن يخجلوا من أنفسهم، وأن يُكرمونا بصمتهم، ويتركوا السوريين وشأنهم.

لا يعنينا أن ثورة السوريين كانت خطأ أو جريمة، أو كانت انطلاقتها السلمية قراراً صائباً أو تهوراً غير محسوب حين انطلقت في مارس من عام ٢٠١١م. بل ما يعنينا هنا فقط ألا ننجرف وراء التنظير البيزنطي، والجدل العقيم، واستغلال جراحات السوريين لإثبات موقف، أو ترجيح وجهة نظر، أو التكسب من المعاناة الحلبية، أو الاستفادة من الكارثة الشامية.

بل ما يعنينا أن نبتهل إلى الله ليرفع عن شامنا الكرب، وعن أهلنا المصيبة، ولنسعى كلٌّ في موقعه، ووفق قدرته وبكل ما نملك لتضميد الجراح، وإيواء المشردين، وطبابة المصابين، ورعاية الأيتام، وتخفيف معاناة الأسر، وتوفير مستلزمات العيش الكريم، وإغاثتهم فقد عانوا الكثير، وحان لهذا الجرح الدامي أن يتعافى.

أما الراقصون على الجراح الحلبية فهؤلاء ينبغي أن يخجلوا من أنفسهم، وأن يُكرمونا بصمتهم، ويتركوا السوريين وشأنهم، وإن أرادوا أن يتكلموا فليقولوا خيراً أو ليصمتوا إلى الأبد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.