شعار قسم مدونات

انتظروا حلب الصومال قريبا

blogs- الصومال

القريب في الفكر الاستشرافي يطابق "القادم" في أكثر دلالاته، ولكن ما أراه رأي العين، أن المشهد الحلبي المرعب، الذي شاهدناه في عدد من البلدان العربية، يبدو أننا سنشاهده في الصومال أيضا خلال عام 2017م المظل علينا، أو في الأعوام التي تليه كأقصى مهلة. ولعل سيناريو ذلك المشهد بإحدى محاولاته ستبدأ مع الانتخابات الرئاسية المرتقبة؛ حيث يمكن أن تجعلنا نتائج الاستحقاق الرئاسي أمام حلقة حلبية جديدة ستعرض في الصومال..
 

وفي موعد يكون أقرب مما يمكن أن نتصوره؛ ذلك إذا قرأنا المعطيات في الواقع الصومالي مع المتغيرات الدولية والإقليمية التي تتضح للجميع حدثا بعد آخر، والتي يتصدر قائمتها التصنيف الدولي "الروس أمريكي" لأهل السنة -حسب التسمية الدارجة- على أنهم هم الإرهاب ورعاته! وبالتالي، انحياز القوى العظمي العالمية لجانب أعدائهم ومنافسيهم، مع أن القصة أكبر بكثير من البعبع الهلامي المسمى بـ "الإرهاب"، الذي لا يعدو كونه مجرد فقرة أدرجت في القصة قصدا؛ حتى تكون جاذبة ومثيرة أكثر، مثلما مشاهد الأكشن التي تدرج في الأفلام بغرض الإثارة؛ لتكتمل القصة في النهاية حسب رغبة مؤلفها.
 

في الصومال.. على المترشح للرئاسة أن يكون غير محسوب على التيار الإسلامي، وغير معروف بالتوجه العربي، بل يفضّل أن يكون معاديا للأسلمة والتعريب.

إن منظومة السيناريو الحلبي، بحلّتها الجديدة التي لا تختلف كثيرا عن صورها السابقة، تتميز بمدخلات تتمثل في: إيجاد شرعية دخيلة ومتسلطة ومنبوذة داخليا، ولكنها مدعومة خارجيا، ودفع كل الأطراف نحو التصادم، من خلال نهج معين ومستفزّ، يفرُض على المدعوم أو يتقبله هو، ثم التدخل الخارجي الحاسم لصالح الشرعية الدخلية وبغطاء مقبول دوليا، وفي كثير من الأحيان بمنطق القوة لا غير. وبعمليات أكثر مرونة وتعددا، ولكنها لن تخلو من إدارة حرب ضروس طاحنة، ووحشية أكثر من اللازم بسبب حجم القوة التدميرية المستخدمة، وبمجازر استئصالية مرعبة وهادفة، مع خلق ظروف دولية وإقليمية تفرض الصمت على الجميع.
 

كما تتميز بمخرجاتها الأكثر تحديدا، والتي تكون دائما: دمارا وخرابا للبنية التحتية، وتهجيرا كميا ونوعيا كاسحا، وتفككا للتركيبة السكانية المقاومة للمشروع الحلبي بمختلف السبل والأشكال. وبعائدات مرجوّة أبرزها: التمكّن من إعادة هيكلة خارطة النفوذ والسلطة القائمة على أساس من معطيات ديموغرافية وجيوغرافية؛ من أجل تمكين طرف دخيل وضعيف يستقوي بصاحب المشروع الحقيقي، ويلتقي معه في مصالح هامشية بالنسبة للاعب الأساسي، ولكنها وجودية في نظر الدخيل المنبوذ، والذي سيُمرِّر حال تمكّنه كل ما يُملَى عليه بكرة وأصيلا؛ مما يحقق لصاحب المشروع الحقيقي مزيدا من النقاط الإضافية في مشروعه الإمبراطوري العالمي العملاق.
 

ففي الصومال، قد يبدأ ذلك السيناريو مع الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها خلال الأسابيع القادمة، حيث يوجد سيناريو انتخابي يحظى بفرصة حقيقية لينجح، سواء في الجولة الأولى أو اللواحق لها، فالانتخابات الرئاسية البرلمانية ليست دورية حقيقة، فقد تكون الجولة الثانية خلال أشهر من تنصيب الرئيس من خلال إسقاطه في مطب من المطبات اللامتناهية للنظام البرلماني، فنحن لا نعرف في أي جولة سينجح السيناريو، لكنه لا محالة قادم.
 

ويقوم السيناريو على دفع مرشح رئاسي يمكن أن يكون حجر الأساس لنظام دخيل وضعيف ومنبوذ، تتوفر فيه، إضافة إلى شخصيته المائعة الملائمة للغرض، صفتان أساسيتان هما:
 

أولا: غير محسوب على التيار الإسلامي، وغير معروف بالتوجه العربي، بل يفضّل أن يكون معاديا للأسلمة والتعريب؛ بغية إثارة الإسلاميين المعتدلين والمتطرفين معا والمجتمع المحافظ المحتضن لهم، من خلال نهج إقصائي مرسوم مسبقا يعادي الإسلاميين ويتبناه النظام القادم سواء رغب فيه أو عنه؛ بغرض استفزاز أطراف إسلامية ناشطة في الساحة السياسية ومجتمع مسلح محتضن لهم ومحافظ على شعاراته الإسلامية..

نسأل الله الحي القيوم القوي العزيز أن يعيننا على الثبات، فإن المعركة لا محالة قادمة، وأدعو الله أن يرفع عن المسلمين الهمّ والغمّ إنه ولي ذلك والقادر عليه.

ويمكن إثارته وزجّه إلى معركة لم يستعد لها بعد بأتفه الحركات بحكم طبيعته البدوية الثائرة وأنفته التي يعرفها الجميع؛ حتى يصطدم الكل على الصخرة الفولاذية الصماء المتمثلة في الشرعية التي ستوفر للنظام بمنطق القوة والإرادة الدولية. والعائد المرتقب من هذا اللعبة سيكون: التمكّن من خلق مبررات موضوعية لحشر الأطراف ذات التوجه العربي الإسلامي في قمقم الإرهاب؛ كي يسهل إخراجها من اللعبة السياسية بكل جماعاتها وممثليها الحاليين والمحتملين، ورميهم في البحر بضربة واحدة.
 

ثانيا: لا ينتمي لأصحاب النفوذ في العاصمة من القبائل القاطنة لها وللمناطق المساندة المجاورة، والهدف من ذلك استفزاز تلك القبائل بفرض ابن غيرهم عليهم، وبما سيتبع ذلك حتما من تطبيق سياسات الإقصاء والتهميش المتعمّد بتوظيف النعرة القبلية، وحسب ما يمليه الدليل الاسترشادي الذي سيستلمه الرئيس الحلبي ليلة دخلته على كرسي الحكم، وأيضا من خلال الثغرات الطبيعية التي سيتركها النظام الحالي بسبب أخطائه المتراكمة والمميتة ويمكن أن يستغلها النظام الحلبي القادم في عملية التهميش.
 

المهم أن الإقصاء سيكون عندها سيد الموقف وبمبررات لا حصر لها، والغرض من هذا كله زج أصحاب النفوذ والمصالح في العاصمة ونواحيها في معركة مرسومة المراحل والنتائج والعوائد مع الجمجم الأصم المسمى بالشرعية، والذي ستقف إلى جانبه كل القوات الإفريقية الموجودة الآن والقادمة أيضا، وبغطاء جوي وبحري من قوى عظمى عالمية اذا اقتضى الأمر ذلك.

حينها سيجني أصحاب السيناريو الحلبي الثمار في تحويل العاصمة والمدن الكبرى إلى رماد، وتهجير السكان بالآلاف، والقيام بمجازر مروعة يندى لها الجبين كما في نهاية كل حلقة حلبية نشاهدها؛ الأمر الذي سيُخلف فراغا ديموغرافيا مقصودا سيتم تعويضه بالشكل الذي يتلاءم مع العوائد المرغوبة فيها، والمتمثلة في تغيير مدخلات منظومة النفوذ والسلطة في الصومال على أرض الواقع، وتمكين أطراف دخليه أو تعيش الآن على الهامش ستجد مصلحتها الذاتية في التحالف مع صاحب المشروع الحلبي.
 

أملنا بعد الله، في الشعب الصومالي الذي لن يرضى بالدنية كما ألفناه، وبنسائه ورجاله الذين ينظرون إلى الحرب لما يُفرض عليهم وكأنها لعبة طفولتهم يجيدونها بل يحنّون إليها.

وبهذا الشكل قد نكون خلال سنوات أو شهور أو حتى أسابيع معدودة أمام حلب جديدة، ولكن باسم مستعار سيكون "مقديشو" لا سمح الله. هذه هي الصورة التي أراها الآن رأي العين، خاصة عندما أقرأ المعطيات مع طبيعة الوضع السياسي الصومالي الذي يصفه المراقبون بأنه كثبان رملية لا قرار لها، أو لا يراد أن يكون لها قرار.
 

ولكن أملنا بعد الله، في الشعب الصومالي الذي لن يرضى بالدنية كما ألفناه، وبنسائه ورجاله الذين ينظرون إلى الحرب لما يُفرض عليهم وكأنها لعبة طفولتهم يجيدونها بل يحنّون إليها إذا ما طبولها قُرعت، أملنا بعد الله في تلك القبائل والمكونات الأخرى التي لا تزال ذاكرة التاريخ تحتفظ بصولاتها وجولاتها مع قوى الشر والغطرسة والاعتداء منذ القرن الخامس عشر الميلادي إلى تسعينات القرن المنصرم.
 

نسأل الله الحي القيوم القوي العزيز أن يعيننا على الثبات، فإن المعركة لا محالة قادمة، وأدعو الله أن يرفع عن المسلمين الهمّ والغمّ إنه ولي ذلك والقادر عليه. أما السؤال: ماذا نحن إذا فاعلون؟ والذي قد يسأل عنه كل من في قلبه ذرة إيمان، أقول في الإجابة عنه "استفت قلبك فإن الأمر فرض عين". اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان