شعار قسم مدونات

عالم قاسي.. ووطن يقتل أبنائه!

blogs- مصر

ليوقف أحدهم هذا العالم عند أقرب محطّة لأنزل، أو يوقف أحدهم كل هذا الخراب والدمار، ليوقف قتل الأطفال في بلادنا، ليوقف الظلم من قتل وسجن وحرق وانتهاك للآدمية واغتصاب البنات، ليوقف أحدهم بُحور الدم تلك التي تسيل وتكاد تُغرقنا جميعاً، هذا ليس وصف مجازي لكنه حقيقه!
 

نحن نعيش في أسود ما يُكتب في التاريخ، ملايين من المشردين واللاجئين، عالم قاسي وواقع مرعب، الجهل والسذاجة تتوارث في المجتمعات العربية، الشعوب تتقدم والشعوب العربية في سباق إلى الوراء، نحن الشعوب المحتلة فكرياً قبل أن تحتل أراضينا وتسُلب منا حريتنا، الإنسان أعقل المخلوقات سبب دمار الأرض!
 

كنا في زيارة جمال عبد الناصر بالمنزل لمرضه، فأبلغنا أن الانفجارات التي حدثت في اليوم السابق والتي أشار إليها في اجتماع المؤتمر إنما هي من تدبيره لأنه كان يرغب في إثارة البلبلة في نفوس الناس.

أوطاننا أصبحت وكر للظلم والموت، إنها العذاب بعينه. في وطننا من العادي أن نرى كل يوم مجازر بشعة، منها مثلا مجزرة رابعه التي وقعت يوم ١٤ – ٨ – ٢٠١٣ وشهدت استشهاد أكثر من ٣٠٠٠ شخص في يوم واحد! قتل ١٧ امرأة وحرق ٤٤ جثة منهم ١٤ جثة تفحمت بالكامل، و١٤٤ جثة مجهولة الهوية ورفضت الحكومة الظالمة عمل تحليل DNA ليتم التعرف على الجثث ولم يكتفوا بقتلهم وتركهم بل أخذوا الجثث ووزعوها على معسكرات الجيش الموجودة بمدينه نصر وطريق السويس، قتلوا ١٠٣ طالب في ٨ ساعات، وحرقوا مسجد رابعة بمن فيه، وقتلوا الصحفيين مصعب الشامي وحبيبه عبد العزي.. وغيرهم.
 

كل هذا القهر والفجع والرعب في بلادنا، وُلد الظلم في مصر -تزامنا مع حكم العسكر لها- بداية من جمال عبدالناصر إلى السيسي وكلهم علي نهج ظلم واحد، ويشهد التاريخ بنجاسة العسكر من افتعال انفجارات وقتل وتعذيب، وكان عهد عبدالناصر ملئ بالظلم كما سأذكر:
 

محمد نجيب
"وقعت ستة انفجارات في ذلك اليوم، لكن في أماكن متفرقه منها السكة الحديد والجامعة وجروبي، ولم يقبض على الفاعل، وقد عرفت بعد سنوات أن هذه الانفجارات كانت بتدبير من جمال عبدالناصر، كما اعترف البغدادي في مذكراته وذلك لإثبات أن الأمن غير مستقر ولابد من العودة بالبلاد إلي الحالة غير العادية".

ويكمل الرئيس نجيب قائلا "وأنا في الحقيقة شممت هذه الرائحة القذرة في اجتماع اليوم التالي، فقد تعالت الصيحات التي تطالب بالضرب على أيدي المخربين، وقلت لهم صراحة أقرب للاتهام: لا يوجد صاحب مصلحة في التخريب إلا هؤلاء الذين يبتغون تعطيل مسار الشعب إلى الديمقراطية". المصدر: كتاب "كنت رئيسا لمصر".
 

وكتب أيضاً عبد اللطيف البغدادي في مذكراته عن هذه التفجيرات ص ٨٨ و٨٩ "وفى يوم الأحد 21 مارس وبعد استعراض الجيش بمناسبة زيارة الملك سعود ذهبت مع كمال الدين حسين وحسن إبراهيم لزيارة جمال عبد الناصر بالمنزل لمرضه، فأبلغنا أن الانفجارات التي حدثت في اليوم السابق والتي أشار إليها في اجتماع المؤتمر إنما هي من تدبيره لأنه كان يرغب في إثارة البلبلة في نفوس الناس ويجعلها تشعر بعدم الأمن والطمأنينة على نفوسهم وحتى يتذكروا الماضي أيام نسف السينمات وليشعروا بأنهم في حاجة إلى من يحميهم على حد قوله".
 

لقد فقدنا الإنسانية بكل معانها وأشكالها، نحن لم نعد نخاف الموت لأن الحياة أشد رعباً منها، لقد كرهت هذا العالم وما زلت لم أُكمل العشرين من عمري.

وقال أيضاً خالد محيي الدين وهو أحد الضباط الأحرار في كتابه "الآن أتكلم" ص ٣٠٤ و٣٠٥ :وثمة واقعة أخرى لابد من وضعها في الاعتبار، فقبل زيارة الملك سعود مباشرة وقعت ستة انفجارات دفعة واحدة في مدينة القاهرة، منها انفجاران في الجامعة وانفجار في جروبى وآخر في مخزن الصحافة بمحطة سكة حديد القاهرة، صحيح أنها لم تتسبب في خسائر مادية كبيرة لكنها أثارت هواجس شديدة وسط الجميع حول مخاطر انفلات الوضع ومخاطر إطلاق العنان دون قبضة حازمة للدولة، وبدأ البعض يستشعر أن الزمام يفلت وأن الأمن غير مستقر وأنه من الضروري إحكام قبضة النظام وإلا سادت الفوضى"

ويكمل " وقد روى لي بغدادي أنه في أعقاب هذه الانفجارات زار جمال عبد الناصر في منزله ومعه كمال الدين حسين وحسن إبراهيم ليناقشوا معه تطورات الأوضاع وأبلغهم عبد الناصر أنه هو الذى دبر هذه الانفجارات لإثارة مخاوف الناس من الاندفاع نحو طريق الديمقراطية والإيحاء بأن الأمن قد يهتز وأن الفوضى ستسود البلاد وبطبيعة الحال فإن الكثيرين من المصريين لا يقبلون أن تسود الفوضى بصورة تؤدي إلى وقوع هذه الانفجارات ".

وهذه إن دل على شيء فإنه يدل على ظلم الحكومات وكيف أنها استباحت دم الشعوب والنساء والأطفال، ويؤلمنا هذا العالم بوقاحته أكثر بكل أحداثه المفزعة وآخرها "حلب"، لا يسعني غير قول أنه كان ذعُر يشيب الشعر ويجعلك تقف علي آخر رمق لك، فما بالك بالأطفال والنساء والعواجيز؟!
 

أي وقاحة تلك، لقد فقدنا الإنسانية بكل معانها وأشكالها، نحن لم نعد نخاف الموت لأن الحياة أشد رعباً منها، لقد كرهت هذا العالم وما زلت لم أُكمل العشرين من عمري! ليغير هذا العالم مساره المحبط الظالم أو ليجدو لنا مكان أكثر أمنا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.