شعار قسم مدونات

سقطت حلب من على طاولة التفاوض

blogs - جنيف

 جاءت نتائج ورقة المفاهمة الروسية – الأمريكية، التي تمت مناقشتها في جنيف مؤخرا متوافقة لمقترح قد ألمح إليه من قبل وزير خارجية أمريكا جون كيري، لأجل إيجاد مخرج يحد من معاناة السكان في حلب، وإيصال المساعدات الإنسانية إليهم، بعد أن يتم تأمين طريق لخروج المقاتلين من وسط المدينة، ما قد يراه شركاء الحرب بأنه يفتح الباب لاستقرار الأوضاع في البلاد، وإن كان قد تناوب الأعضاء في مجلس الأمن على فتح ملف الأزمة الإنسانية في حلب بين الفينة والأخرى، إلا أنهم اختلفوا مرارا على الاتفاق، والخروج بصياغة القرار الذي يساعد على تهدئة المؤشرات الملتهبة هناك.

 

سعى النظام السوري الى إشاعة الفكر الإرهابي في البلاد، وألبسه ثياب الإسلام الراديكالي ووحد طاقات الجماعات الشيعية الطائفية لتجوب الأرض وتبث الخوف والرعب بين المدنيين.

عقدت هذه المحادثات بعيدا عن أسماع المقاتلين في حلب، خاصة بعد تحويل مجرى الصراع القائم في سوريا إلى نزاع فرقاء، وفصائل متناحرة، متساوية في العتاد، تضع الجلاد والضحية معا في قفص واحد، وتختزل معاناة شعب كامل في فصيل مسلح، ونظام جائر بالغ في الحصار والدمار على جزء من مدينة حلب، فيما تراب المدن الأخرى يتخضب بدم الشهداء تحت أقدام خصوم الأمس التي اجتمعت على الهدف والمصلحة المشتركة، وعلى تصفية عدو واحد توافقت عليه الأطراف ضمن المشروع الصهيوني في الشام، في واحدة من الحروب الهوجاء التي تعتمد أسلوب الأرض المحروقة لاستئصال المقاومة المسلحة.

 

وكان في كل مرة يتداول فيها الأطراف المعنية حرب سوريا المشتعلة يكون الشعور بالإحباط هو السائد على طاولة الاجتماعات، وبات العجز عن مواجهة العدالة ذو دلالات فاضحة، راوغ فيها الشركاء بعضهما البعض لعرقلة مرور القرار الأممي، والقفز دائما فوق معايير الحقوق، والنداء الإنساني.

 

ورغم أن الخلاف السياسي بين الشركاء الذي لا يبحث فوق طاولة المفاوضات، كما هو حال تصريحات المسئولين في الاعلام، فإن العمل الاستخباراتي والعسكري يتم التوافق عليه عبر تنسيق الجهود في ضرب مواقع الاستهداف، مع إصرار البيت الأبيض و الكرملين على تحميل الدول العربية مسئولية بروز الإرهاب، وضرورة الانخراط في منظومة الحلفاء الجوية لمحاربته، وترك العمليات على الأرض بدون سيادة أو قيادة حتى يتمدد الإرهاب بين المدنيين، ما أعطى النظام السوري وحلفاءه الضوء الأخضر في استخدام الأسلحة الفتاكة المحرمة كي يتقدم على الأرض، ويعزز من وجوده داخل المدن السورية بعد إن كان قد فقد السيطرة عليها.

 

وقد شكل التحالف الدولي مع روسيا على زيادة المعاناة للشعب السوري الذي انتفض على النظام المستبد في ثورة وصفت بأنها كانت "ثورة أحرار" تعاطف معها المجتمع الدولي، وشجب في نفس الوقت ردة فعل النظام العنيفة لها، ما جعل بعض القوى تستغل ثورة الشعب في تنفيذ أجندتها السياسية عبر المفاوضات، والتنازلات التي تخدم مصالحها في المنطقة، ومصالح الكيان الإسرائيلي من خلال مواصلة دعم الأقليات والمذاهب التي تخالف أهل السنة، وهم أغلبية سكان سوريا.

 

هناك توجه جاد من قبل الشركاء في الأزمة السورية بتحسين الصورة النمطية للأسد قبل إن يتم تغيره لاحقا، عبر السماح لقواته العسكرية وحلفاءه بالسيطرة الكاملة على مدينة حلب.

لقد سعى النظام السوري قبل الثورة، ومن بعدها، الى إشاعة الفكر الإرهابي في البلاد، والبسه ثياب الإسلام الراديكالي بعد تنسيق استخباراتي دولي، وتوحيد طاقات الجماعات الشيعية الطائفية لتجوب الأرض طولا وعرضا، تبث الخوف والرعب بين المدنيين، وتفرغ الأرض من السكان، وقد نجح النظام في عزل المقاتلين الأحرار عن مسرح الصراع، الأمر الذي ساعد الخبراء الروس والأمريكيين في وضع خطط التتبع العسكري للدواعش داخل العمق السوري.

 

لكن وجه الحقيقة هنا لا يؤخذ به طالما هناك دول عربية وغربية تشارك معا في إخماد ثورة السوريين، وتحاول إن تقدم للرئيس الأسد انتصارا يحفظ ما بقى له من مفهوم الرئاسة، بعد ان يتم إخراج المقاتلين من مناطق الصراع إلى مصير غير معلوم، ما يتيح للجانب الروسي والأمريكي باستئناف الحوار السياسي من أجل مستقبل سوريا الغد، يصبح فيه نظام الأسد طرفا، في مواجهة شخصيات ليبرالية يتم اختيارها من قبل الجانب الأمريكي لتمثيل الشعب السوري في تلك المفاوضات، وهو ما قد اتفق عليه المبعوث الدولي دي ميستورا الذي يقول بان الوقت قد حان بالفعل للدخول في النقاش الجاد من اجل أبرام اتفاق يتيح للأمم المتحدة الإشراف على إجلاء المدنيين، ما قد يعتبر في نظر المبعوث الدولي انجازا كبيرا من شانه تجنب المزيد من الدمار وإراقة الدماء.

 

وهناك توجه جاد من قبل الشركاء في الأزمة السورية بتحسين الصورة النمطية للأسد قبل إن يتم تغيره لاحقا، عبر السماح لقواته العسكرية وحلفاءه بالسيطرة الكاملة على مدينة حلب، التي تعني للأسد انتصارا حقيقيا، ومعنويا لأهميتها الاستراتيجية للثوار وللسوريين جميعا، ومن ثم ستأتي خطوة نزع السلاح من المعارضة، وقبولها بالجلوس على طاولة التفاوض بدون شروط مسبقة.

 

وكون سقوط حلب قد أصبح واقع مسلّم به، فإن المقاتلين قد تدبروا أمرهم بالثبات في الميدان، ومواصلة الكفاح المسلح داخل نطاق حدود الوطن، وسيكون أسلوب الكر والفر مزعجا للشركاء، ومرهقا أيضا لأصحاب القرار السياسي في سوريا الغد، التي لن تذهب بعيدا عن حال جارتها العراق اليوم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.