شعار قسم مدونات

العبودية الإلكترونية

blogs- البذاءة الإلكترونية

كان التعريف الأنسب للعبودية بانها امتلاك الإنسان للإنسان فيُباع الآدميون هنا وهناك ويتم تسخيرهم لأعمال هنا وهناك أيضاً ، ينجزون الأعمال الشاقة والمحظوظ منهم من يجلس في قصر أمير يغنم من بعض الرفاهية المادية.

حسنا لنتقدّم في العصور ولنركب آلة الزمن معاً بعيداً عن عصور الرِق والعبيد  لنتقدّم أكثر وأكثر إلى عصرنا الحالي. تطور العالم وتطورنا معه بشكل سريع جداً وظهرت مواقع التواصل الاجتماعي، ومنها تويتر – الذي لا أتعامل معه- وأتوقع أن كلامي ينعكس على غيره من المواقع.

وكما هي الحياة تكتلات وأحزاب فكان من المنطقي أن يكون داخل تلك المواقع انبعاث لتلك التحركات فتجدهم جماعات وجماعات، فلكل رأي وكل شيء طبيعي حتى الآن لا نختلف.

استعباد الأفكار يا سادة أشد خطراً من استعباد الأجساد، فكم من جسد استعبد خرج ومارس حريته ضارباً بعرض الحائط عقوداً حوت أسمائهم تم توقيعها مقابل ثمن بخس

يقول توفيق الحكيم" عندما نُلغي الجوع ستلغي في نفس الوقت عبودية الإنسان للإنسان" وأقول جازماً لو أن توفيق الحكيم لا يزال على قيد الحياة وعاصر تلك المواقع لما قال ما قال، فهو لم يُعاصر العبودية الإلكترونية من خلال تلك المواقع، وهذا هو معرض حديثي.

إن مُصطلح العبودية  مطاط ومرن جداً، فالتخاذل لسلطان من أجل مردود مادي او ابتسامة عابرة عبودية، كما هو الانحناء لأحد الأغنياء طمعا في دنانير. وأن اختلفت مسميات العملة عبودية ولا ننسى الجلوس في قاعة انتظار وزير ما طمعاً في وظيفة ايضاً عبودية.

لا أناقش الأمور أخلاقياً هنا بل أريد أن أقرب للقارئ أن العبودية ليست فقط امتلاك الإنسان للإنسان، بل هي أيضاً انحناء الإنسان للإنسان رغم أن كلاهما في مطلق الأحوال  ينعمان بالحريّة بتعريفها البسيط.

يقول مارتن لوثر كينج "لا يستطيع أحد ركوب ظهرك إلا إذا انحنيت فهل هناك انحناء في مواقع التواصل الاجتماعي؟ نعم هناك انحناء في المبادئ وانحناء في الأخلاق وربما عمى مؤقت مما يخلق عبودية الإلكترونية تظهر عند البعض بشكل واضح وجلي.

أصبحنا وأقول أصبحنا لأننا جميعنا مستعبدون إلكترونياً إلا من رحم ربي، أصبحنا نحكم على جمال الأقوال نسبةً لقائليها لا لجمال تلك العبارات بحد ذاتها، فإن قال إعلامي ما جملةً ما تبعه الكثيرين لا لجمال ما قال بل لأنه  القائل.

أعتقد أن الأمثلة كثيرة وقد تبادرت إلى أذهانكم وربما ابتسامة خفيفة ارتسمت على شفاهكم. ليس هذا وحسب، بل يتعمد البعض الابتعاد عن شخص معين وعن تغريداته وعن نشرها كي لا يُغضب أحدهم ومرة أخرى بغض النظر عن جمال وصحة ما قال، أليست هذه عبودية؟

أعتقد زادت الابتسامات وتلاحقت أخواتها الآن. في بداية مقالي عرّفت العبودية بأنها امتلاك الإنسان لإنسان آخر، فهل المستعبدين إلكترونيا يملكهم أحدهم؟ أوربما ينعمون بمردود مادي؟ في مطلق الأحوال لا ولكنها ليست سوى مجاملات إلكترونية قادتنا إلى عبودية ربما كانت أقسى من العبودية بتعريفها الأصيل.

استعباد الأفكار يا سادة أشد خطراً من استعباد الأجساد، فكم من جسد استعبد؛ خرج ومارس حريته ضارباً بعرض الحائط عقوداً حوت أسماءهم تم توقيعها مقابل ثمن بخس. فهل تستحق أفكارنا وعقولنا  أن نبيعها بثمن بخس؟ والثمن هنا ليست النقود بل أفكار ومبادئ.

لنركب آلة الزمن معاً مرةً اخرى ونعود إلى تلك العصور التي نشأت فيها العبودية حيث كانت أرحم بكثير من العبودية الإلكترونية. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.