شعار قسم مدونات

حلب.. نحر مدينة!

blogs - syria
أحاول غالبا تجنب الكتابة في حالة غضب وتأثر بحدث ما؛ فقبل أي شروع في عملية الكتابة أطرح على نفسي العديد من الأسئلة، من قبل، هل ضروري أن أكتب، ولماذا؟ وهل هناك من سيقرأ؟ وهل لما أكتب أي تأثير؟.
 

لكن بعض الأحداث تستفزني بل تفرض عليّ إطلاق العنان للحروف والكلمات، وتركها تنساب بشكل تلقائي، كأنها تقوم بحرب تحرير لذاتها واستقلال عن أسئلتي الكثيرة والضرب بها عرض الحائط، وأعتقد أن فعل الكتابة هنا يكون طريقة علاج نفسية أو نوع من التنفيس لا أكثر، أو محاولة للاستمرار في الغضب ومقاسمته مع آخرين بدل النزوع للحزن والانزواء والانكفاء على ذاتي، وآخر تلك الأحداث، جرائم النظام الروسي والأسدي في حق سكان مدينة حلب السورية، حيث دمروها قصفا وقتلوا فيها الأطفال والشيوخ والنساء والشباب، جاؤوهم بالذبح على طريقة داعش.
 

وهذا ليس كلام وسائل الإعلام المناصرة للثورة السورية، بل تقارير المنظمات الدولية، مثل منظمة العفو الدولية التي تحدثت عن جرائم إبادة قام بها النظام الأسدي وحلفه في المدينة، وتحدثت تقارير صدرت عن الأمم المتحدة عن إعدام عشرات المدنيين السوريين خارج نطاق القضاء على أيدي قوات النظام الأسدي و ذلك بعد تقدمها في مناطق شرقي حلب، هذا بالإضافة لشهادات نشطاء وسكان المدينة التي انتشرت على الإنترنت، تلك الشهادات المحزنة والمؤثرة، شهادات لمواطنين ينتظرون الموت في أي لحظة؛ فوقوعهم تحت يد البطش الأسدية يعني مغادرتهم لعالمنا، ليس المغادرة فقط بل الرحيل بعد العذاب الأليم.
 

قد أفهم على مضض عدم انخراط مثقف في ثورة لكن ما لا أفهمه هو الفرح بقتل المدنيين والتطبيل لمن يفعل ذلك؛ لكن الإيدلوجيا تكون أحيانا غطاء سميكا على العيون.

كان المشهد مهولا، مدينة وسكان يذبحون أمام أعين العالم، ولا حراك ولا حياة لمن تنادي، المجتمع الدولي خذل سكان حلب كما خذل شعب سوريا المنتفض، لكن هذا أمر متوقع وليس صادما بالنسبة لي؛ فوحشية النظام الروسي والإيراني والأسدي وحقارة المجتمع الدولي ليست بالخبر العاجل فهي قاعدة أصيلة وخبر مجتر، لكن الصدمة الحقيقية، هي حالة الفرح التي لاحظت على الشبكة، بين بعض النخب العربية وبعضها يدعي الدفاع عن حقوق الإنسان والتنوير والحلم بعالم ديمقراطي متسامح، ابتهجوا بقتل سكان حلب والاحتفاء به كانتصار وفعل عظيم ضد الإرهاب، كانوا يسترخصون دماء سكان المدينة التي سالت بدون ذنب؛ وكأنهم قد تعاطوا جرعة زائدة من مخدر الخسة والحقارة، جعلتهم وحوش يعطلون أي مشاعر إنسانية(أستخدم إنسانية هنا بتحفظ حتى أجد تعبيرا مناسبا؛ فالإنسانية لم تعد تعني أي شيء نبيل، أصبحت شيئا مبتذلا جدا).

فرحهم الذي كانوا يقولون أن سببه هو هزيمة الإرهاب، كشف مدى تهافت خطابهم وبشاعة نفسياتهم، فهل هناك إرهاب أفظع من ما يقوم به النظام الأسدي وحلفه من قتل وتنكيل بالمواطنين، وقد جدد نظام الأسد عهده بالتوحش بوقاحة في مدينة حلب؟!، النظام الذي يتحاشى داعش وقتالها ويركز آلته التدميرية على شعبه، وللأسف بعضهم معارضون لأنظمة بلادهم الظالمة، وهو أمر لا أفهمه، فكيف لنا أن نعارض نظاما بحجة أنه ظالم وفاسد وقمعي، ونوالي آخر يقتل شعبه بل يبيده، وهو أبشع أنظمة المنطقة وله تقاليد راسخة في الطغيان والتجبر؟!

قد أفهم على مضض عدم انخراط مثقف في ثورة لكن ما لا أفهمه هو الفرح بقتل المدنيين والتطبيل لمن يفعل ذلك؛ لكن الإيدلوجيا تكون أحيانا غطاء سميكا على العيون وتعمي الأبصار والأفئدة، تجعل المعتنق لا يرى عيوب من يدعون اعتناقها، وأن الحرية والعدالة الاجتماعية لا يستحقهما إلا من يشاركنا نفس المعتقد والأيديولوجيا.

حالة الفرح تلك والسقوط المدوي في قاع بئر النذالة السحيق، ليست هي الأخرى بالجديدة على النخب العربية المترهلة؛ فالكثير منها وقف ضد ثورات شعوبه وناصر الطغيان بحجة "التنوير" ولم يكن المثقف السوري استثناء من ذلك، فرغم كثرة مدعي التنوير بين المثقفين السوريين والعرب إلا أن الثورات لم تكن على مقاس بعضهم أو بالصيغ التي يريدون إن كانوا حقا يريدون ثورة.

لكن الواقع ليس سيئا بشكل مطلق، فهناك نماذج خلّدت ذكرها، مثل صادق جلال العظم الذي رحل بالتزامن مع مجاز الأسد وحلفه في حلب، رحل عنا وهو متمسك بثورة شعبه ومُصر على شرعيتها، صادق وفاروق مردم بك وغيرهما من المثقفين السوريين ومن المواطنين المتمسكين بخيار رفض الطغيان والرافضين لحشر الشعب السوري بين خياري بشار الأسد أو داعش، هم الأمل بالنسبة لي وتأمل مواقفهم وما سطرت أناملهم يريح قلقي بعض الشيء، أما النخب الرثة والمجتمع الدولي فلا رجاء ولا أمل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.