شعار قسم مدونات

وكم في السجون من "أحمد"!

blogs- الاختفاء القسري

جلست وحيدا في منزلي، الجميع بالخارج، أقلب في المنزل، أبحث عن شيء أفعله. الملل يقتلني، والوقت يمضي كسلحفاء تحاول المشي وهي على مشارف الموت، لا شيء يكسر الملل الذي أشعر به.. حاولت أن أفعل أشياء مختلفة لكسر هذا الشعور.. أفتح ثلاجتي المليئة بالطعام، لا شيء يعجبني، أمسك هاتفي المحمول، اتصفح الإنترنت، لكن لا جديد.. أبعثر في الكتب الجديدة والقديمة لعل كتاب يثير شهوتي، لكن لا شيء.. في النهاية قررت أن أقف قليلا في الشرفة.
 

أطالع الشوارع من حولي، وعيني تتحرك يمنة ويسرة، أراقب الجميع، إلى أن استقر نظري علي بيت صديقي "أحمد"، أبت عيني أن تتحرك، استمرت في شللها التام، أصبحت لا أشعر بعيني، لا أستطيع أن أحركها، إلى أن دفعت دموعي عيني إلى الحركة.. "أحمد" صديقي ليس في البيت.. "أحمد" أخذته قوة من بيته، بعد أن امتدت أياديهم الغاشمة إلى عائلته، ثم حطموا البيت كاملا وسرقوا منه ما استطاعوا أن يحملوه..

أحمد جرد من جميع أشيائه وملابسه، في هذا البرد يشعل نار الثأر يتدفأ، لا شيء معه غير مصحف صغير استطاع تهريبه بعد أن أرضى المخبر بكثير من النقود

"أحمد" صديقي ظل مختفيا قسريا لشهور عديدة، بعدها أصدرت جهات الدولة بيان بالقبض على خلية إرهابية خطيرة، كانت تسعى إلى إسقاط ما تبقى من الدولة. ظهر في الفيديو التي عرضه إعلام الدولة شاحب الوجه، يرى عليه أثر الكدمات، كثيف الشعر، بالكاد يستطيع أن يفتح عيناه ويصلب طوله.
 

"أحمد" إلى الآن في أسوء السجون المصرية يموت بالبطيء، أحمد الذي لم تراه والدته منذ شهور لأنهم منعوا الزيارة عنه وعن كثير مثله، ومازال في زنزانته الانفرادية لا يذكر آخر مرة رأى فيها الشمس، لا يعرف أي يوم هذا، لا يعرف التوقيت، لا يعرف كيف حال أهله، لا يعرف من بالزنازين التي بجواره، لا يعرف شيئا إطلاقا، كل الذي يعرفه أن الفرج والنصر آت لا محالة. جرد من جميع أشيائه وملابسه، في هذا البرد يشعل نار الثأر يتدفأ بها حتى يأتي الصباح الذي لا يراه، فقط يشعر به، لا شيء معه غير مصحف صغير استطاع تهريبه بعد أن أرضى المخبر بكثير من النقود.
 

ظلت الأفكار تتصارع في داخلي، استحقرت نفسي كثيرا، ما هو الملل الذي أشعر به مقابل ما يمر به صديقي، هل أشعر بهم حقا؟! ما هذا النعيم الذي أنا فيه؟! آه يا صديقي آه، الاعتذار لا يكفي ولعل الدعاء يصلك. آه يا صديقي، ماذا تفعل في تلك الظلمة التي حولك، نور إيمان قلبك سيضيئ المكان لا تقلق.. عادت الدموع تنهمر كالمطر ولا أستطيع أن أوقفها خجلا من حالي، آسف يا صديقي!

 ظلت أردد "كم في السجون من أحمد"

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان