شعار قسم مدونات

أصحاب السد

السد

لا لا، إنه مستوى آخر من الهروب من الواقع .. أو أننا قد تخطينا مرحلة الهروب من الواقع بأكملها أصبحنا نخلق واقعا خياليا ونعيش فيه ولا نلقي بالاً لذاك الواقع المحيط ولماذا ؟

يبدو أننا لن نستطيع مقاومة الواقع في تفكيرنا أو في عقلنا فضلاً عن عجزنا أمامه على الأرض، إذاً فالهروب هو الحل ولكن تلك طريقة قديمة. نحن الآن نقدم لك الجديد أخلق لنفسك واقع آخر واقتنع به وانسى ذاك القديم الذي لا ترث منه إلا الخوف والشعور بالتحدي والتعب.. لا نحن نقدم لك راحة البال على طبق مطلي بالذهب ولكنه الذهب المسمم.

كيف أستطيع أن أهرب من الواقع وقد أحاطني من كل اتجاه إن ذلك الدولار قد تفشى في عروقه الأدرينالين

وعلى غرار أصحاب السد؛ هؤلاء الناس الذين كانوا يعيشون في مدينة تحت سد عالي وقد أخبرهم المهندسون أنه آيل للسقوط وفي طريقه إلى الإنهيار، فأنكروا جميعاً هذة الحقيقة ليس لأن لديهم وجهة نظر أخرى أو أن أحداً قد قام بخداعهم، بل فقط لأن عقلهم لا يريد أن يتصور أن هذا السد سينهدم لأنه لو انهدم لغرقت البيوت والقرية بأكملها، أو لعل المهندسين قد جن جنونهم ويردوننا أن نترك مشاغلنا ونقوم بترميم هذا السد .. لا لا تصدقوهم هذا السد بخير وسيصبح قد الدنيا.

إذا ما النتيجة؟ قريباً سيأخذهم السد بمائه في جولة حول الدنيا. وهذه بعض الصور التي تم التقاطها لأصحاب السد أثناء عملية إنكار الواقع (لحظات ما قبل الكارثة)

صورة الأولى: الجنيه في بلاد العجائب
كيف أستطيع أن أهرب من الواقع وقد أحاطني من كل اتجاه إن ذلك الدولار قد تفشى في عروقه الأدرينالين المنشط ولا يغمض له جفن كل ليلة إلا وقد زاد أمام الجنيه قرشاً أو بضعة قروش.. فما الحل ؟

الحل من وجهة نظر هؤلاء ليس في الهروب كما كان لا إنه في خلق واقع جديد لاوجود له كأن نقتنع مثلاً أن الدولار سينهار غداً أو بعد غد.. حسناً وإن لم ينهار ! ليس هناك مشكلة هذا الغد سوف يأتي يوماً  نحن في الطريق الآن.
حسناً حسناً فلتصحبكم السلامة جو تو هيل .

وماذا لو لم يستطع أصحاب السد خلق هذا الواقع القريب الذي سوف يسكنون فيه أثناء عملية إنهيار السد ؟ إنهم أعظم شعب في العالم لا تقلق لديهم طرقهم الخاصة منها على سبيل المثال تلك الصورة

صورة ثانية: المستقبل البعيد الذي لا يأتي
نظرتنا ليست قاصرة كنظرتكم، نحن ننظر إلى المستقبل البعيد الباهر أما أنتم فنظرتكم قصيرة تريدون كل شئ على عجل ! إن صاحبنا هذا يبني لنا قريتنا ولكن كل مشاريعه لن تأتي ثمارها إلا في المستقبل البعيد والتي لا يشعر بها أحد الآن على الإطلاق.
وأين هي مشاريعه ؟ هو قال أنها موجوده
ولما صدقتموه ؟  لقد أقسم بالله 
حسناً.. أعتذر لم أكن أعلم أنه قد أقسم بالله .

صورة ثالثة: نحن نمشي بالبركة
وبعد الإقرار أن كل هذا الكون بما فيه لا يسير إلا برحمة من الله، ولولا فضله ما دامت ذرة على ذلك الوجود، نأتي نحن لنضع لمستنا السحرية على ذلك الإقرار فنقوم بتدمير صحتنا بكل ما أوتينا من قوة ثم نقول بكل أريحية نحن شعب غير قابل للأمراض نحن المصريين عايشين بنور ربنا.

حسناً يا سيدي نحن جميعا مصريون وأفغان ومغاربة وهولنديون وفنزويليون نحيا بنور الله وبرحمته ولكن ما قد غفلت عنه أنك تحيا الآن .. الآن فقط أنت لا تعلم ما تخبئه لنفسك في المستقبل.

ولأنك قد شربت من مياهها الملوثة وأكلت طعامها الملوث، وفعلت كل ما يحلو لك ولم تتأثر صحتك هذه لأنك في البداية فقط أو في ريعان شبابك.. كل تلك القنابل الموقوتة يتم تخزينها لحين إشعار أخر بعد الأربعين أو بعد الخمسين حينما يحلو لتلك القنابل أن تنفجر.

هل تعلم أن نسبة انتشار فيروس الإلتهاب الكبدي الوبائي سي في مصر هو أكثر من 10 بالمئة

أتريد أن تعرف هل بالفعل هذا الشعب هو مضاد للبكتيريا والفيروسات والتلوثات والعدوى أم لا؟ خذ رحلة بنفسك إلى أي من المستشفيات العامة التعليمية وألق نظرة بها لتعلم كم أن هذا الشعب" مبيحوقش فيه حاجة " يعني لا يتأثر كما تدعي أو كما تأمل أن يكون لكي تستمر في رحلة الهروب من الواقع .

خذ رحلة بنفسك في قسم العظام لترى كمية هشاشة العظام الملقاة على الأسرة.. ألم تسمع عن كمية مراكز غسيل الكلى المنتشرة في أنحاء كل حي وكل مدينة؟ هل تعلم أن نسبة انتشار فيروس الإلتهاب الكبدي الوبائي سي في مصر هو أكثر من 10 بالمئة، أي أنك تمتلك حوالي 10 مليون مصاب بفيروس قاتل خطير كهذا؟ هل تعلم أنك تفقد سنويا 72300 مواطن بسبب السراطانات المختلفة وفقا لموقع cancerindex.org.

هل تعلم أن نسبة انتشار الإنيميا بين السيدات إلى عام 2012 هي 35 بالمئة وبين الأطفال هي 45 بالمئة وفقاً لموقع indexmundi.com وذلك بسبب سوء عملية التغذية .

نعم إنها لحظات ما قبل الكارثة وأصحاب السد في بناء وهم الواقع الموازي. وأين الحل ؟
هذا السؤال لكم هذة المرة وليس لي. لأني لا أعلم  فأصحاب السد حقاً ليس لهم حل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.