شعار قسم مدونات

في التعليم(2) التعليم في خدمة الموهوب والمتفوق

blogs - class
لا شك أن تجربة الولايات المتحدة الأمريكية في بناء وتطوير النظام التعليمي في مختلف مراحله تعد تجربة رائدة، بل إن الكثيرين يعتبرونه النظام الأنجع في إنتاج رأس المال الفكري للاقتصاد، وذلك لتميزه بخصائص أهمها –كما ذكرنا في الجزء الأول– المزاوجة بين مدخلات تعليمية –متعلمين- داخلية وأخرى خارجية عن طريق الاستقطاب.

سنتحدث في هذا الجزء وفيما يقدم من أجزاء عما ينجزه نظام التعليم الأمريكي من عمليات في سبيل إنتاج أمثل مورد بشري ممكن خدمة لاقتصاده. وسنستعرض أثناء ذلك نمط التمويل الحكومي الفريد للتعليم ودور القطاع الخاص والقطاع الخيري في ذلك، وعن أثار الابتكار والإبداع في كل هذا، وكيفية النظر إلى المعلم والطالب والإدارة في هذا كله، وصلة قطاع التعليم بالقطاعات الأخرى.

لقد استطاع نظام التعليم الأمريكي أن يخلق لكل فئة من المتعلمين برنامجا خاصا يأخذ بعين الاعتبار قدراتها في التعلم وسرعتها في التحصيل.

إن من أهم مميزات نظام التعليم الأمريكي أنه يأخذ بعين الاعتبار في عملياته الفروقات المعرفية والذاتية بين الطلبة، فالمتفوق ليس كغيره، والموهوب في فن أو حرفة أو رياضة ليس مثل سواه من غير الموهوبين، وأشير هنا أن "غير المتفوق" ليس "فاشلا" في نظر هذا النظام بل هو شخص له قدرات وملكات أخرى على النظام أن يكتشفها ويطورها.

لقد استطاع نظام التعليم الأمريكي أن يخلق لكل فئة من المتعلمين برنامجا خاصا يأخذ بعين الاعتبار قدراتها في التعلم وسرعتها في التحصيل، فالبرامج عموما وجدت من أجل طالب عادي المستوى، لكن إذا ثبت أن الطالب متفوق في مادة أو موهوب في أمر ما فالنظام مرن للدرجة التي يسمح له فيها بتخطي سنوات التعليم مقدما له أثناء ذلك برامج تعليمية خاصة أيضا، أما إذا ثبت أن الطالب ليس متفوقا في الجانب الأكاديمي فهناك برامج توجهه شيئا فشيئا نحو عالم التكوين المهني والشغل.

وسأركز هنا على فئة الطلبة المتفوقين والموهوبين على اعتبار أن السياسة التعليمية الأمريكية توليهم عناية فائقة، وباعتبارهم الفئة التي تخلق للاقتصاد قيمة مضافة كبيرة جدا وميزة تنافسية لا مثيل لها، فهذه الفئة هي من تنتج الإبداع والابتكار في غالب الأحيان.

يكاد يكون مسلمة أن الولايات المتحدة تعتبر رائدة العالم في مجال رعاية المواهب والمتفوقين في العالم، سواءا تعلق الأمر باستحداث القوانين الرامية إلى ذلك أو التمويل المالي والعيني الذي يكشف ويشجع وينمي الإبداع لدى الموهوب. فأمريكا منذ سبعينات القرن الماضي خطت خطوات عملاقة في تنويع وإثراء البرامج الخاصة بتربية ورعاية الموهوبين.

فهذا البلد مثلا يتبع نظما تربوية مختلفة خاصة بالموهوبين والمتفوقين منها : الالتحاق المبكر برياض الأطفال أو الصف الأول الابتدائي "Early Admission"، تخطي بعض الصفوف الدراسية أو ما يسمى أيضا الترفيع الاستثنائي "Grade Skipping"، تسريع محتوى المقررات "Subject Matter Acceleration"، القبول المبكر في المرحلة المتوسط أو الثانوية "Early Admission to Junior" "or Senior High Schools، القبول المبكر في الكلية أو الجامعة Early Admission" To College"، وغيرها من البرامج.

الإبداع في اكتشاف المبدعين جعل الطالب الأمريكي الموهوب يتميز عن أقرانه في العالم بمنجزاته.

كما تم تخصيص مؤسسات تعليمية للموهوبين والمتفوقين فتم إنشاء العديد من المدارس أهمها مدرسة توماس جيفرسون الثانوية للعلوم Tomas Jefferson High School for Sience and Technology، ومدرسة برونكس الثانوية "Bronx High School" اللتين تعتبران من أقدم المدارس التي أنشأت لرعاية ذوي القدرات الخاصة ويقوم العمل في هذه المدرسة على فكرة الإثراء التعليمي ، وتقديم مواد مكثفة في مجال العلوم والرياضيات.

بالإضافة إلى هذه المدارس الخاصة يوجد عدد من المراكز التي تهتم بشئون الطلبة المتفوقين، حيث تهتم بتقديم برامج إثرائية خلال فصل الصيف، ومن أمثلة ذلك المراكز مركز القرن الحادي والعشرين 21 "Century Community learning Centers expanding "education at opportunities الذي يقديم أنشطة إثرائية لطلاب المرحلة المتوسطة والثانوية المتفوقين تتمثل في ساعات إضافية في مادة الرياضيات تسمح لهم بالانتقال من خلالها لصفوف أعلى.

كل هذا الإبداع في اكتشاف المبدعين جعل الطالب الأمريكي الموهوب يتميز عن أقرانه في العالم بمنجزاته، ففي جوان 2014 أطلقت وكالة الفضاء الأميركية "ناسا" وسلاح الجو الأميركي قمرا صناعيا صغير الحجم بناه بالكامل طلاب مدرسة توماس جيفرسون الثانوية للعلوم والتكنولوجيا سمي "TJ3Sat". والمسيرة مستمرة..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.