شعار قسم مدونات

استطلاعات انتخابات أميركا.. أزمة دقة أم مصداقية؟

A handout picture provided by the Socialist People's Party (SF) on 03 November 2016 shows a city bus with an advert referring to US Republican presidential candidate Donald Trump and the upcoming US elections, in Copenhagen, Denmark, 27 October 2016. The bus features the slogan 'Americans abroad vote' along with a partial head resembling Donald Trump and eyes that start rolling when the bus is moving. EPA/SOCIALIST PEOPLE'S PARTY/HANDOUT

رغم أن استطلاعات الرأي ليست جزءاً من القواعد والقوانيين التي تحكم الانتخابات، لكنها أصبحت محركاً رئيساً للعملية الانتخابية في العقود الأخيرة، سواء كانت هذه الاستطلاعات صادقة أم كاذبة، فهي تطلع المرشحين السياسيين على صورتهم في عيون الناخبين، وعلى القضايا المهمة التي تستولي على اهتمام الناخبين، سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية.

والاستطلاع بشكل عام هو عملية احصائية دقيقة، يتم فيها استقصاء رأي لعينة ما، حول موضوع معين، ويحتاج إلى الكثير من المعايير الرياضية والاحصائية لضمان دقته وموضوعيته، ومع التطور التكنولوجي والمعرفي الكبير، لم تعد الدقة هي المشكلة الوحيدة والأساسية التي تشغل الرأي العام، فهامش الخطأ في أي استطلاع موضوعي لا يتجاوز الـ3 نقاط مئوية بأفضل الأحوال، ولكن مصداقية هذه الاستطلاعات هي ما يشغل أذهانهم.

ما هي المعايير التي تعتمدها هذه المؤسسات في نشر نتائج الاستطلاع بعد كل حدث في الولايات المتحدة، وكيف تنجز الاستطلاعات بسرعة؟

فلو أخذنا الانتخابات الرئاسية التي تجري حالياً في أمريكا كمثال، سنجد تبايناً رهيباً بين أرقام الاستطلاعات في مدد زمنية متواضعة، علاوة على اختلاف كبير في النسب والأرقام بين استطلاعاً وآخر، فخلال الأسبوعين الأخيرين من شهر أكتوبر الماضي، ظهرت أكثر من عشرة استطلاعات للرأي من مؤسسات مختلفة، وهي "ايسبوس- رويترز"، شبكة فوكس نيوز الإعلامية، استطلاع "IBD/TIPP "، وهو استطلاع لمؤسستي "مستثمر الأعمال و واستعلامات التكنولجيا"، إضافة إلى استطلاعات شبكة "ABC" و واشنطن بوست.

استطلاع "ايسبوس – رويترز" على سبيل المثال، أعطى ثلاثة نتائج مختلفة خلال أسبوعين فقط، ففي وسط شهر أكتوبر كانت كلينتون تتقدم ب 3 نقاط مئوية، ثم أصبحت تتقدم ب 5 نقاط مئوية، وأخيراً تقدمت خلال فترة الانتخاب المبكر 15 نقطة مئوية!!

أما شبكة "فوكس نيوز" فقالت إن كلنتيون تتقدم فقط بنقطتين مئويتين على دونالد ترامب خلال نفس الفترة التي ظهرت فيها استطلاعات "ايسبوس – رويترز"، وهي نتيجة مشابهة لاستطلاعات "البي بي سي" البريطانية"، لكن الغريب أن استطلاع ""IBD/TIPP "، وهو استطلاع كانت نتائجه دقيقة في أخر ثلاث انتخابات أمريكية، قال إن ترامب هو من يتقدم بنقطتين مئويتين وليست كلينتون.

وهذه نتيجة تختلف بشكل كبير عن استطلاع شبكة "ABC" التي أعطت كلينتون التقدم بفارق 12 نقطة مئوية خلال الفترة نفسها، وهي على جميع الأحوال تختلف مع جميع الاستطلاعات التي لم تعط كلينتون المقدمة عن ترامب بأكثر من 5 نقاط مئوية.

ولتكتمل غرابة المشهد، فإن أرقام جميع المؤسسات اختلفت بشكل جذري بعد إعادة فتح "الف.بي.أي" التحقيق بقضية البريد الالكتروني الخاصة بكلينتون، والأغرب في الأمر أنه بعد يوم واحد فقط من إعادة التحقيق، نشرت هذه المؤسسات أرقاماً جديدة تشير لتقدم ترامب على كلينتون وبفوارق جيدة.

فمثلا عادت شبكة "ABC" لتنشر استطلاعاً قبل يومين تشير فيه إلى أن ترامب يتقدم بفارق نقطتين، وهو ذات الرقم الذي أفادت به " ايسبوس – رويتروز"، والتي تغيرت أرقامها بعد يوم واحد فقط من إعادة التحقيق بقضية البريد الالكتروني، بينما ذهبت صحيفة "لوس أنجلوس" إلى توسيع الفارق إلى 5 نقاط مئوية لمصلحة ترامب!! ولم تختلف بالطبع نتائج المؤسسات والشبكات الأخرى التي نشرت جميعها نتائج استطلاع تؤكد تفوق ترامب على كلينتون!

ورغم ذلك ظل التناقض حاضراً بين الاستطلاعات، فصحيفة "نيويورك تايمز" وشبكة "سي بي إس"، نشرتا استطلاعاً ظلت فيه هيلاري كلينتون متفوقة بفارق 3 نقاط مئوية، علماً أن ذات المؤسستين نشرت استطلاعاً قبل أسبوع كان فيه الفارق 9 نقاط مئوية.

تبقى الاستطلاعات في الانتخابات الأميركية الحالية عاجزة حتى عن تحديد المتفوق أو  إعطاء نسب متفق عليها أو حتى قريبة من بعضها البعض

وبقراءة جميع هذه الاستطلاعات يصاب المتابع بالحيرة الشديدة، حتى لو أراد أن يعتبر بالمجمل أن كلينتون هي المتفوقة، فالتفوق بفارق نقطتين مئويات يختلف تماماً عن التفوق بفارق 10 نقاط مئوية، علاوة على أن تغير الأرقام بشكل يومي كما لو أننا في بورصة يطرح الكثير من علامات الاستفهام.

شخصياً لا أعلم ما هي المعايير التي تعتمدها هذه المؤسسات في نشر نتائج الاستطلاع بعد كل حدث، ولا أدري كيف تقوم بعمل الاستطلاعات بمثل هذه السرعة، وكيف تختلف النتائج وتتناقض بهذه النسب الكبيرة خلال يوم واحد وربما خلال ساعات فقط، لكني متأكد أن هذه الاستطلاعات غير موضوعية على الإطلاق، وتعتمد على عوامل خارجية أكثر من اعتمدها على رأي الجمهور الأمريكي.

فمع استثناء انتخابات 2008 التي فاز فيها المرشح الديمقراطي باراك أوباما على المرشح الجمهوري جون ماكين، كانت نتائج الانتخابات مغايرة تماماً لنتائج استطلاعات الرأي، ففي 2012 أعطت استطلاعات الرأي التفوق لرومني على حساب أوباما بفارق نقطة مئوية، وفاز أوباما بفارق 3 نقاط مئوية.

وكان الحال كذلك في انتخابات 2000 و2004 التي فاز فيها جورج بوش، رغم تخلفه بنتائج الاستطلاعات بحوالي نقطة مئوية مما يتيح لنا أن نتساءل عن الآلية التي تعمل بها هذه الاستطلاعات التي فشلت في أغلب الحالات حتى في تحديد الفائز!

وإن كان البعض قد يشير إلى أننا في الانتخابات السابقة كنا أمام تقارب بين المرشحين، يصعب معه تحديد الفائز، وأن هامش الخطأ كان في جميع هذه الانتخابات لا يتعدى النقطتين، فإنه على فرض التسليم بمثل هذا الطرح تبقى الاستطلاعات في الانتخابات الحالية عاجزة حتى عن تحديد المتفوق أو عن إعطاء نسب متفق عليها أو حتى قريبة من بعضها البعض.

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان