شعار قسم مدونات

ماسحو الجوخ.. قراءة في الأهداف والوسائل

blogs - masks
إذا كنت كاتباً ينبضُ قلمك بالواقع ويرسمُ الحقائق بألوانها الطبيعية، فلا بدَّ لك إن أردت العيش بهدوء، وتجاوز مهاجمة ما تكتب أن تكون "ماسحاً للجوخ"، وهذا الخيار لا بد وأن يمر بعدة خطوات " قبل الشروع بالكتابة يلزمك "مسحٌ للجوخ"..خلال الكتابة تحتاج "مسحٌ للجوخ"..بعد الكتابة لا بد من "مسحٌ للجوخ".
 

إن لم تقم بذلك عزيزي الكاتب المفكر أو المثقف خلال طرح القضايا التنويرية لمجتمعك أو المشاكل التي تستشري فيه، فحتماً ستجد نفسك في مواجهةِ تُهم تُغلق عليك كل أبواب العقل والمنطق، وهي اتهامات سيقذفك بها أولئك الذين لم تمسح لهم الجوخ.
 

وسيلةُ "مسح الجوخ" التي يقوم بها البعض قديمةٌ قدم الإنسان، وهو فنٌ تمارسه فئات مختلفة من الناس ولا يقتصر على فئة دون غيرها.

أما عناوين تلك الافتراءات بحقك فستكون من قبيل "أنك لا تُجيد إلا التركيز على الأخطاء والسلبيات، وأنك تنظر إلى الجزء الفارغ من الكأس، أو أنك تلبس نظارة سوداء تمنع عينيك من إبصار حقيقة الواقع".
 

إذا كنتَ عزيزي المفكر وصاحب القلم الحر لا تقبلُ على نفسك الركوب في قطار "ماسحي الجوخ" وتُصرُ على ألا يكون قلمك إلا لسان صدق لضميرك، وتسعى ألا تبغي بكلماتك إلا رضا الله سبحانه وتعالى والبحث عن النهضة لمجتمعك، فاعلم بأنك لن تجد كثير مناصرين أو مريدين لنهجك وأسلوبك، ولن تختار المؤسسات الكبرى اسمك لنيل أحد ألقاب "الأشخاص المؤثرين في بلدك"، كما أنك لن تجد من يبتسمون في وجهك، وإن فعلوا ذلك فاعلم أنها ابتسامة الخشية من قلمك.
 

رغم كل ما سبق، لكن كن على ثقة أيها المثقف أنهم يدققون في كل ما يخطه قلمك ويعرفون مقاصده جيداً، بل ويعضون على شفاههم في كثيرٍ من الأحيان خلال المرور على كل كلمة نطقت بها، دون المقدرة على مواجهتك مباشرة، إنما يفعلون ذلك بخفية ولؤم، ولقد تطورت الساحات التي ينشطون بها هذه الأيام بالتوازي مع التطور والتقدم في وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الجديد، فلهم مجموعات خاصة على تلك الوسائل يعملون فيها ويتصيدون الأخطاء لمن هم في مستواهم، هادفين من وراء ذلك لإزاحتهم عن درجات سُلم الوصول إلى القادة والمسئولين وأصحاب القرار.
 

وسيلةُ "مسح الجوخ" التي يقوم بها البعض قديمةٌ قدم الإنسان، وهو فنٌ تمارسه فئات مختلفة من الناس ولا يقتصر على فئة دون غيرها، إلا أن هذا الفن لا يفلحُ في أدائه إلا أشخاص من نوعٍ خاص ومواصفات لا تتوفر في جميع البشر، و"ماسح الجوخ" الناجح هو الشخص الذي يمتلك صفات متعددة من أبرزها "امتلاك لسان حاذق، وكرامة مهدورة، ونفساً دنيئة تقبل الذل والهوان".
 

حين تقابلُ واحداً من "ماسحي الجوخ" وتدخل معه بنقاش، يبدأ في سياق مبرراته لك اعتمادا على المثل الشعبي "بوس الكلب من تمه حتى تأخذ حاجتك منه"، وهو مثلٌ يعكسُ بما لا يدعُ مجالاً للشك حالة الانحطاط والانحدار التي يعيشها "ماسح الجوخ"، الذي يعتمد كذلك على نظرية "الماكيافيلية" الانتهازية "الغاية تبرر الوسيلة"، كهدف لتحقيق مصالحه الذاتية، حتى وإن كانت من خلال دوسه رقاب الآخرين.
 

في الماضي كان "ماسحو الجوخ" يتقربون من طبقات أخرى لمن يرتدي "الجوخ"، وهو نوعٌ فاخر من الثياب يتزين بها التجار وأصحاب الحظوة من السلاطين والوجهاء، فيمسحون تلك الملابس أملاً بالحظوة عند تلك الطبقة ونيل نصيب من الجاه أو المال، لكن في زماننا هذا فقد توسعت طبقات من يلبسون الجوخ، وباتوا من التجار والقادة والزعماء والمسئولين في بلادنا العربية، وبالقدر الذي يحتل ذلك الشخص من المكانة، ينتشر حوله "ماسحو الجوخ" وبعضهم لا يتوانى في سحق زملائه لاستئثار حظوة "لابس الجوخ" كاملة دون الآخرين.

دوماً ما نستدل في أحاديثنا كنتيجة للظلم الكثير الذي يخيم على بلادنا العربية بعدل خليفة المسلمين عمر بن الخطاب، غير أنني سأستدل من سيرته بدوره في مواجهة "ماسحي الجوخ"، حيث يذكرُ المؤرخون أنه في أحد الأيام وبينما كان يخطب في رعيته ويأمرهم بتقويمه وإصلاحه إذا رأوا منه خطأ.. ولم يكمل كلامه حتى قاطعه رجلا من رعيته قائلا: "والله لو وجدنا فيك اعوجاجاً لقومناه بسيوفنا".
 

الشاهد في الموضوع، أن "فاروق الأمة" انبسطت أساريره وتوجه إلى ربه شاكراً، ليقول كلمته المأثورة: "الحمد لله الذي جعل في رعية عمر من يقومه بحد السيف إذا أخطأ"، وبذلك يكون "بن الخطاب" قد قطع دابر "ماسحو الجوخ" في عهده.
 

 من أعظم مخاطر "ماسحي الجوخ" أنهم بأساليبهم جعلوا في زماننا هذا الأمين خائناً، والظالمُ عادلاً، والتافه ناشطاً اجتماعياً أو إعلامياً ومتحدثاً بأمر العامة.

إن لـ "ماسحي الجوخ" وإفساح المجال لهم من قبل القادة والمسئولين وأصحاب المال والقرار في أي بلدٍ من البلدان مخاطر جمة على تلك المجتمعات إن لم يتم مواجهتهم وقطع دابرهم كما فعل الخليفة العادل "بن الخطاب"، فإن استمرارهم بحالة التغلغل بين صفوفنا برضا وسرور "أصحاب المال والقرار" رغبةً في عدم انتقاد أساليب إدارتهم، فهذا يعني تمكين "ماسحي الجوخ" ليجلسوا على مقاعد الحُكم والقرار ذات يوم، وحينها سنجد أنه "ما بيطلع من دار المطبلين غير المزمرين"، بل إن المسئول الذي يتعامل مع "ماسح الجوخ" كما المثل الشعبي القائل "شافت الخنفس بنتها ع الحيط، قالت لها: يسلملي بياضك ع سواد الحيط".
 

إن من أعظم مخاطر "ماسحي الجوخ" أنهم بأساليبهم جعلوا في زماننا هذا الأمين خائناً، والظالمُ عادلاً، والتافه ناشطاً اجتماعياً أو إعلامياً ومتحدثاً بأمر العامة… فأدركوا بلادكم أيها الألباب قبل سحب البساط من تحت أرجلكم بألسنة وأفعال "ماسحو الجوخ"..