شعار قسم مدونات

الجزيرة.. عشرون عاماً من الفشل

blogs - aljazeerablogs- blogs

تحتفل الجزيرة في الأول من نوفمبر الحالي بذكرى انطلاقتها قبل عشرين عاماً مضت، وتأتي هذه العشرينية وقد فشلت الجزيرة فشلاً ذريعاً في تحقيق أهدافها وسياستها المريبة في المنطقة، وفي الإعلام العربي!

فشلت الجزيرة من حيث تدري أو لا تدري في أن تكون بوقاً للأنظمة القمعية في العالم العربي، وفشلت في تغطية حضور أصحاب الجلالة والسمو قممهم الفاشلة واحدةً تلو الأخرى، وفشلت في أن تكون كغيرها من القنوات مقيّدة بمقص الرقيب، ومترددة في اقتحام المواضيع التي تهم المشاهد العربي، والمشي بجانب حائط الأمان، والمكوث في دائرة السكون.

فشلت الجزيرة في عدم انحيازها للشعوب، وفشلت في تبني قضاياه وهمومه، فلم يجد المواطن بداً إلا أن ينحاز إليها، وتصبح قناته الأولى والوحيدة في استقاء الأخبار من مصادرها، ومناقشة صانعيها، والمؤثرين فيها، وفشلت في تكوين وعيه المنقاد طوعاً أو كرهاً لإعلام نظامه الرسمي، فكره المشاهد العربي مشاهدة قنوات الإعلام الرسمي المتقادمة والمتهالكة، وعلّمته الاستماع إلى خطاب مختلف لم يعتده العرب في تاريخهم الحديث.

جاءت الجزيرة ولم يكن هناك أي منافس سوى إذاعة لندن العربية التي كان المواطن العربي يلجأ إليها لمعرفة أخبار وطنه الأم، ووطنه العربي الأكبر لأنه تعود أن الخطاب الرسمي لا يقول الحقيقة بل ويخفيها في كثير من الأحيان، وإن قالها فهو يقول الحدث بشكل ينافي جوهر الحقيقة. وعندما تجرأت بي بي سي، وحاولت الوصول إلى المشاهد العربي تم حجبها قسراً، لأنها تجرأت على تناول المحظور، ومحاولة الحديث عن الممنوع، فاختفت وأصبحت أثراً بعد عين.
 

فشلت الجزيرة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر في تجريم العرب والمسلمين، واعتبارهم إرهابيون، ودائماً ما كانت تعترف أن هناك ما يُسمى بالإرهاب.

ظهرت الجزيرة في الأول من نوفمبر قبل عشرين عاماً، وقال الكثيرون يومها أنها نسخة معربة من بي بي سي، وستكون الصوت العربي للإذاعة البريطانية، وهو ما كان مقبولاً حينها من المشاهد العربي الذي خرج من مرحلة المذياع إلى مرحلة البث الفضائي المباشر بالصوت والصورة.

فشلت الجزيرة منذ انطلقت أن تكون بذات توجه بي بي سي، واختارت لنفسها سياسة إعلامية مختلفة بعيداً عنها، وشاهد المواطن العربي لأول مرة نشرات وبرامج إخبارية لا تُسبّح بحمد الحاكم العربي، ولا تتغنّى بإنجازاته، ولا تواكبه في زيارته المحلية والدولية، وأصبحت هموم المواطن العربي ومشاكله السياسية والاقتصادية والاجتماعية على طاولة النقاش بعيداً عن التدخلات الرسمية، بل وجد المقموعون من المعارضين العرب المنفيون فرصة لمخاطبة شعوبهم.

وأصبح الخطاب الجديد مختلفاً عن فلسطين ذا توجه عربي يعتبر القتلى الفلسطينيين شهداء، وكانت واقعيةً في تسمية إسرائيل بدلاً من الكيان الصهيوني كما اعتاد الخطاب العربي الرسمي أن يصف به الدولة العبرية، بل وتجرأت في استضافة مسؤوليه في برامجها المختلفة لا للترويج له، ولكن لتعريته وفضحه.

كما فشلت في توجيه العقل العربي، وعرضت له في كثير من نشراتها وبرامجها الرأي ومقابله، والاتجاه وعكسه، ووجهة النظر ونقيضها، والخبر بأبعاده وما ورائه، وتركت المشاهد الحرية في الرأي الذي يتبناه، والفكر الذي يعتنقه، وجانب آخر من الحقيقة دون ضغط أو إكراه.

ثم فشلت الجزيرة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر في تجريم العرب والمسلمين، واعتبارهم إرهابيون، وفشلت في الانجرار خلف سياسة جورج بوش، ودائماً ما كانت تعترف أن هناك ما يُسمى بالإرهاب، والحرب عليه وفق السياسة الأمريكية.
 

وفشلت في آن تمنع نفسها من أن تكون القناة الثقة لتنظيم القاعدة في بث بياناته، واللقاء مع زعمائه، وفشلت في منع أمريكا من قصف مقرها في كابول، وفشلت في منع اعتقال تيسير علوني واحتجازه، وفشلت في تعويض سنوات العذاب التي عاشها سامي الحاج، ولم تقدر أن تمنع مقتل مراسلها طارق أيوب غداة الغزو الأمريكي للعراق.

كما فشلت في الحفاظ على حياة علي الجابر في ليبيا، ولا محمد الحوراني وإبراهيم العمر في سوريا، ولا مبارك العبادي في اليمن، وأصبح مراسلوها معرضون للتوقيف والاعتقال في كل مكان، وحتى فيصل القاسم لا يستطيع السفر لأي مكان بسبب برنامجه المعاكس للظلاميين والقومجيين والمُمانعين. فأي قناة هذه، لا يأمن من يعمل فيها أو معها على حياته، وعيشه، وتنقله!
 

كان لها نصيب كبير من الإخفاق في تأييد الطائفيين والعنصريين، وانحازت إلى المظلومين، وفضحت المتاجرين بقضايا الشعوب.

ثم كانت القاضية، فنزلت إلى الميدان، وتواجدت بين الجماهير الثائرة، فأصبحت مروجة للفتن، مثيرة للاضطراب، مهيّجة للشعوب، وفشلت في أن تكون مصدر تهدئة أو وسيط سلام، فعادتها الأنظمة، وكرهها المستبدون، و"الأمنجيون". وفتحت برامجها، وأفردت نشراتها، وقنواتها الفرعية، ومنصاتها للاجتماعية لتوصيل صوت الشعوب المقهورة، والاستماع إلى المطحونين والمعذبين، فكانت منبر من لا منبر له، وصوت من لا صوت له.

فشلت الجزيرة في عشرين عاماً أن تكون موضوعية، وحيادية، وغير منحازة وكأن قنوات الدنيا كلها تنعم بالحيادية، وتعيش على الحيادية، وفشلت في أن تكون كما يريدون قناة مُدجّنة، ومستأنسة، تمشي على هواهم، وتتناغم مع أجنداتهم، ولا تعارضهم فيما يقولون.

وكان لها نصيب كبير من الإخفاق في تأييد الطائفيين والعنصريين، وانحازت إلى المظلومين، وفضحت المتاجرين بقضايا الشعوب، وعرّتهم من ورقة التوت الأخيرة التي انتزعتها الجزيرة منهم، فكانوا كأنهم ما كانوا. 

نجح الكثيرون في استنساخ التجربة (الجزيرية)، وظهرت في الفضاء المفتوح قنوات مُعرّبة أو مُستعربة حاولت مجاراة الجزيرة في فشلها، لكنها فشلت في تحقيق الفشل الذي حققته الجزيرة، فحلّقت الجزيرة وحيدة في الفضاء بعيداً جداً، وجمهورها الذي يعشقها لا يزال وفياً لها، سعيداً بفشلها!

وأخيراً نهنئ أنفسنا بالفشل الذريع الذي حققته الجزيرة، ولا زالت تحققه، متمنياً لها مزيداً من الإخفاق، وكثيراً من الخيبة، ومزيداً من التقدم إلى الوراء، والسير عكس الاتجاه، والسباحة ضد التيار!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.