شعار قسم مدونات

علمانيّةٌ تصلّي وتصوم

Demonstrators hold pictures of Turkish President Recep Tayyip Erdogan and Ataturk, founder of modern Turkey, at Bosphorus Bridge during a demonstration against coup in Istanbul, Turkey, 21 July 2016. Turkish President Recep Tayyip Erdogan on 20 July declared a three-month state of emergency and caused the dismissal of 50,000 workers and the arrest of 8,000 people after the 15 July failed coup attempt. At least 290 people were killed and almost 1,500 injured amid violent clashes on 15 July as certain military factions attempted to stage a coup d'etat. The UN and various governments and organizations have urged Turkey to uphold the rule of law and to defend human rights.

يقول أبو الأعلى المودودي رحمه الله "الدّين يحتاج لتطبيقه إلى حكومة من جنسه" وربّما هذا كان السرّ في نجاح المشروع الإيرانيّ داخل إيران وخارجها، وفشلِنا نحن العرب. فسارعت أكثر الأنظمة العربية إن لم يكن جميعها إلى العلمانيّة هروباً من الاضطراب المرسوم في أذهانها من لحظة التقاء الدين مع الدولة والسياسة، قاطعةً بذلك آخر أواصر القربى بينهما.
 

حتى إنّ الأنظمة العربية لم تكن على قدر المسؤوليّة ولا الحدث لتصوغ مفهوماً رائداً للعلمانيّة يتصالح الدّين مع أكثر مفرداته إن لم يكن جميعها. ولم يكونوا على قدر المواجهة مع الحقيقة التي تحمل في طيّاتها ما لم يقبلوا به بل وتجاهلوه من استحقاق اختلاف الثقافات بيننا وبين المجتمعات الغربيّة التي انتهجت العلمانيّة نظامَ حكمٍ وحياة. يقول رئيس الوزراء الأسبق مهاتير محمد "الحلول القادمة من الغرب هي أسوأ الحلول، وتجعل حالنا أسوأ".
 

ثمّة تجارب واضحة ناجحة قامت بها قياداتٌ إسلامية كانت وما زالت توصف بالعلمانيّة، كان هدفها ردم هذه الفجوة بين الدين والدولة من جهة، والدين والسياسة من جهةٍ أُخرى.

لقد عملت الأنظمة العربية على استيراد الجاهز كوجباتٍ سريعةٍ تلائم منظوماتها السلطانية أكثر مما تلائم شعوبَها وقيمَ شعوبها. وإن المشاريع مسبقة الصنع التي عملت بها الأنظمة العربية وجعلت منها دساتير وقوانين، كانت سبباً في هذه الهوّة بين الحاكم والمحكوم والأنظمة والشعوب، ثمّ كانت سبباً فيما هو أبعد من ذلك من موجة السّخط وعدم الرّضا بالواقع واليأس والقنوط من المأمول عند الشعوب العربية وكثير من الشعوب الإسلامية.
 

ثمّة تجارب واضحة ناجحة قامت بها قياداتٌ إسلامية كانت وما زالت توصف بالعلمانيّة، كان هدفها ردم هذه الفجوة بين الدين والدولة من جهة، والدين والسياسة من جهةٍ أُخرى. بل وكان الهدف هو المواءمة بينهما في خضمّ عالَمٍ يستبعد حتّى فكرة المقاربة. يقول علي عزت بيجوفيتش "إن المجتمع العاجزَ عن التديّن، هو مجتمعٌ عاجزٌ عن الثورة" في درايةٍ منه لخطورة تحييد الدين في حياة المجتمعات حتى لا تكون بعد ذلك مجتمعاتٍ خاملةً عاجزةً عن التغيير والتطوير، وحتّي لا تموت عندها الفكرة المحفّزة والتي ربّما عناها هو بمصلح الثورة.
 

لم يقف أردوغان كرئيسٍ لواحدٍ من أكبر الأحزاب الإسلامية المعاصرة والذي حقّق إنجازاتٍ كبيرة على مستوى السياسة المحلّيّة والدوليّة لم يقف عند الأفكار الجاهزة ولا التعريفات الجاهزة، وإنّما عرّف العلمانيّة التي انتهجتها تركيّا في العقد الأخير تعريفاً جديداً ترجمه العمل على الأرض وقال "العلمانيّة بالنسبة لي ليست بالشكل المفهوم في تركيا ـيقصد تركيا الأتاتوركيّةـ وإنّما هي معيشة كل المجموعات الفكرية والدينيّة بالطريقة التي يريدونها، وقولهم لأفكارهم كما يؤمنون بها، وقيام الدولة بتأمين كل المعتقدات".
 

وهذا لا يتنافى مع تعاليم الدين الإسلاميّ، بل وفي ديننا ما يبرهن على صحّته من صحيفة المدينة التي صاغها رسول الله وإلى العهدة العمريّة. ويؤكّد أردوغان على أن العلمانيّة لا تعني عدم التّديّن، بل هي مفهوم للوقوف من كل المعتقدات على مسافة متساوية وحماية هذه المجموعات، وقال "الأشخاص لا يكونون علمانيّين، الدولة هي التي تكون علمانيّة".
 

ربّما أرادت الأنظمة العربية أن تستر عجزَها عن بلوغ هذا المفهوم بورق العلمانية الذي يتطاير عند أوّل ريحٍ من رياح التغيير المحفوظة في ذاكرة الشعوب ولا يزيد عورةَ هذه الأنظمة إلا انكشافاً. نعم.. نحن لا حاجةَ لنا بدينٍ لا يقرأ السياسةَ ولا بسياسةٍ لا تعتنقُ الإسلام.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.