شعار قسم مدونات

كاسترو من كلية المحاماة إلى الثورة

A portrait of the late former Cuban leader Fidel Castro is seen among Cuban and Venezuelan flags during his homage ceremony at the 4F military fort in Caracas, Venezuela November 26, 2016. REUTERS/Marco Bello

خرج شقيق كاسترو الزعيم الكوبي راؤول كاسترو الجديد معلنا رحيل فيدل كاسترو قائد الثورة وصانع كوبا الاشتراكية الجديدة في القارة الأمريكية ومصدر إزعاج الولايات المتحدة مساء الجمعة 25 نوفمبر 2016 في ليلة تاريخية رحل الجنرال ورئيس الأركان السابق فيدل كاسترو لمثواه الاخير بعد معاناة مع المرض دامت لفترة طويلة.
 

حياة كاسترو الأولى:
كاسترو أحد الشخصيات التاريخية التي صنعت معادلة السياسة في نصف القرن السابق، مجرد طفل من زواج غير شرعي لأحد الطبقات المتوسطة يدفع به الاهتمام بالسياسة أثناء دراسته في كلية المحاماة رفع قضية على إدارة النظام العسكري بزعامة فولغينسو باتيستا الذي أستولى على السلطة بانقلاب عسكري عام 1933، ورقى نفسه لقائد عام للدولة خالف فيها الدستور الكوبي، وهذا ما جعل الفتى المتحمس "كاسترو" حينها في بداية الأربعينيات لرفع الدعوة القضائية عليه.
 

فخ الزعيم الأوحد نالت من شخصية كاسترو ولم ينجو منها كغيره، فالجمهور والتصفيق الذي يحظى به الشخص يصعب عليه أن يتواضع ويضع نفسه في صف واحد مع الآخرين

وكنتيجة لواقع استبدادي سجن كاسترو وحكم عليه بالإعدام وخفف الحكم إلى 15 سنة لاحقا وبعدها اضطر مكرها باتيستا للعفو عن مجموعة كبيرة من السجناء السياسيين وكان منهم الرفيق فيدل كاسترو الذي غادر البلاد فورا للمكسيك ليجمع جيشه من المنفيين الكوبين حينها. وفي تلك اللحظة التي التقى بالأيقونة الثورية تشي جيفارا وصعدوا على متن يخت وكانوا ثمانين رجلا عائدين ببنادق الثورة عازمين العقد على إسقاط هذا النظام المستبد انطلقت في 26 يوليو عام 1956 وانتهت في نهاية 1959 بسقوط عميل الولايات المتحدة باتيستا، ليدخل الفاتحين العاصمة هافانا بهذا تنتهي المرحلة الأولى من حياة القائد كاسترو التي بدأها على متن يخت غرانما الشهير لرأس السلطة في كوبا.
 

ضرورة الثورة:
لم تكن كوبا سوى مزرعة تابعة لاقتصاد الولايات المتحدة الرأسمالي وبالتالي هذا ما جعل الثورة الكوبية إيدلوجيا شيوعية على هذا الجحيم الإمبريالي، لم يدرك حينها النظام العسكري العميل لباتيستا أن الوضع الاقتصادي والواقع لا يخدم بقاءه مهما فعل، وأن المبادرة التي سيقدمها فيدل كاسترو ستكتب نهايته قاوم ولكنه لم يهزم القادمين من البحر لإسقاطه، كان عزمهم أقوى من جميع خبراء CIA فواقع تلك الأيام خدم جماعة كاسترو كثيراً، فالحرب الباردة بين القطبين في أوجها وهذا ما جعل الاتحاد السوفيتي يفتح ذراعيه مرحبا بالزعيم الثوري الجديد في القارة الامريكية كانت فرصة على طبق من ذهب بالنسبة للإدارة في موسكو أن تحتضن هذا التطور وتدعمه حتى النهاية وكان لها الفضل في جعل حلم كاسترو بتغيير واقع كوبا ممكناً هكذا ألتقت المصالح.

آفة الزعيم الأوحد:
فخ الزعيم الأوحد والقائد الفاتح نالت من شخصية كاسترو كثيراً ولم ينجو منها كغيره من الشخصيات التاريخية، فالجمهور والتصفيق والتقدير الكبير الذي يحظى به الشخص يصعب عليه أن يتواضع ويضع نفسه في صف واحد مع الآخرين، رغم أن الثورة الكوبية وأي ثورة لا يقيمها رجل واحد بل مجموعة آمنت بالمبدأ وضرورة التغيير.
 

هناك عوامل مهدت الطريق ربما تلتمس العذر لكاسترو أنه لم يعد بديمقراطية وحرية سياسية في بداية ثورته بل كل من شارك معه كان يعرف الشكل السياسي الذي تأتي به الأحزاب الاشتراكية، وكانت كوبا سياسيا لم تشكل فيها المواطنة الكاملة بعد حتى ذلك الحين ولذلك القفز للعمل السياسي مباشرة تحتاج إلى عمق أكبر مما كان يمتلك كاسترو.
 

في النهاية استطاع بشكل أو آخر أن يصل لكوبا التي يريدها حرة بعيدة عن سطوة الإمبريالية، صحيح أنها خرجت من تبعية أمريكية لتبعية سوفيتية وتأثرت كثيراً بسقوط الاتحاد السوفيتي عام 1991، لكن من حيث المبدأ حققت استقلال كبير ومهم للقومية الكوبية -وعلى كل حال من هو "ليس تابع اليوم"؟- رحل كاسترو بسيئاته وحسناته والقول للشعب والتاريخ.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.