الاستشهاد بمسلمين يؤدون فرائضهم ويصومون يوم عرفة ولم يمتنعوا عن بخلهم أو حفظ لسانهم عن النميمة هو أسلوب مستهلك لكنه يفي بغرضي، الذي ليس بالضرورة حسن نواياه تبرر إفطاري في هذا اليوم الفضيل.
ليس أني حرمت نفسي من محي ذنوب عام فائت وعام لاحق، فشيطاني الصغير-إن صح تعبيري- أخبرني مبرراً: ربما قاتلٌ ما صام في هذا اليوم أيضاَ فهل يُقبل صومه أو صوم من شابهه بفعله؟ العبرة ليست بالصوم وحده.
يحدث معنا أننا نصوم يوم عرفة لأنه جرت العادة، كما يحدث معنا في ذات اليوم أن نتخاصم مع بعضنا وتفوتنا صلاة الفجر كما اليوم السابق. |
هناك قصة قديمة أخبرونا بها صغاراً عن القاتل الذي قتل تسعة وتسعين نفساً وأكمل على المائة بقتله الراهب الذي أجابه بنفي وجود توبة بعد هذا القتل، لكنه تابع بحثه عن أعلم الناس ليعطيه الجواب الشافي، فكان له ما بحث عنه، عندما أكد له أن باب التوبة مفتوح لجميع من أخلص النية، كما ورد في صحيح مسلم. فمات على توبته. هل هذه القصة التي نرويها بشيء من البساطة والسذاجة تشبه قصة الحاكم الظالم والراقصة في زماننا؟
لا أدري، ولا أفتي، ولا أتساءل عن قبول توبة ذلك الحاكم والراقصة، ولكن هل تقبل توبة من قتل قرابة المليون نفساً ليموت تائباً، ونحن نقضي عمرنا نصلي وربما نموت على معصية -لا قدّر الله-.
يصعب في زماننا ومحكّات انشغالاتنا اليومية أن نطرح هذا السؤال بهدف تحصيل إجابته، الانشغالات المترتبة على الزواج وتربية الأطفال، ومشاكل العمل، ومسؤولية الأهل.
يحدث معنا أننا نصوم يوم عرفة لأنه جرت العادة، كما يحدث معنا في ذات اليوم أن نتخاصم مع بعضنا وتفوتنا صلاة الفجر كما اليوم السابق.
يحدث معنا أننا نشتم مذيعة مشهورة ونتابع زيارتها للأردن ونضع لايك على مضض في حسابها على الإنستغرام ولم نسأل أنفسنا: ماذا لوكنا مكانها؟ إحدى زميلاتها القدامى في الدراسة دائماً تستغيبها، أغلبنا يقع في نفس الحكم المليء بالغيرة والحسد فنحاول أن نؤكد مدى انحدار مبادئها في سبيل الشهرة وأنها تعمل في محطة فضائية داعمة للباطل.
الفيلم الذي يتحدث عن نشأة الفيس بوك"the social network" وكيف أن فكرته المبدئية لم تأت من مارك زوكربيج. حدث فيه ما يحدث معنا من التفكير الإبداعي في المجال الذي نحبه وليس بالضرورة نتقنه، فكم منا فكّر في فكرة لم يخبر بها أحداً وحافظ على سريتها في مرحلة ما حتى يستطيع الوصول إلى خطوات تطبيقها ليبهر بها العالم ويجني منها نقوداً تغطي تكاليف أحلامه وأعماله الخيرية. إلا أن الفارق المريع بيننا وبين مارك أنه حقق هذا الحلم وجنى منه نقوداً تغطي تكاليف أحلامنا جميعاً.
هذه هي الفكرة، هذا هو المحك والاختبار: ليس النجاح أو الفشل؛ بل المواصلة من عدمها، لأن النجاح لا يعني الحياة، والفشل لا يعني الموت، نحن نتابع حياتنا ونقوم بمهامنا إن نجحنا أو فشلنا، إن خسرنا الوزن الزائد، أو أخفقنا في امتحان التوجيهي.
هذه المواصلة تحتاج إلى الحظ، الحظ السعيد، فأن يصادف ليلة امتحان التوجيهي حادث سير يودي بحياة أهم الناس لطالب متفوق ليس من الحظ السعيد. كما أن الحظ السعيد نجده في حياتنا حتى لو لم نؤدي جميع فروضنا. فبالنسبة لأحدهم أن يتمكن من إنجاب أربعة أطفال: اثنين ذكور واثنتين إناث هو من الحظ والقدر السعيد.
ولا ندري إذا كان توفيق من الله أن يتمكن لاجئ من قطاع غزة من مغادرة القطاع ليفوز بلقب غنائي مشهور في أحد البرامج التلفزيونية وينتشر صيته في الوطن العربي؟
خلاصة الأمر أنه يحدث معنا أن الدين ليس هو معيار النجاح. ولكن السؤال الذي يتكشّف لي هو: هل النجاح هو الوجه الآخر من رضا الله علينا؟ |
يحدث معنا في كل يوم أن نحزن على حالنا، نحزن لأننا لم نواصل تحقيق حلمنا كما فعل بيلي ايليوت، رغم أنه حلم لا يليق بالرجال في رأي أغلبنا، واصل التدرب على الرقص وواصل الحظ مرافقته فأصبح راقص باليه مشهوراً.
غالباً ما تلتصق أفلام هوليوود التي تروي لنا قصص نجاح مشاهير منذ الطفولة بأذهاننا، أنا شخصياً كان يحدث معي أني أميل إلى تذكر "forrest gump" رغم أنه لا يروي قصة واقعية، يليه على الفور فيلم ويل سميث"the pursuit of happiness" الذي وصل به الفقر أنه لم يؤّمن حتى المسكن لابنه في مرحلة ما، فكانا ينامان في ملجئ المشردين، تخلّت عنه زوجته ولم يتخل عنه القدر السعيد، وبعد وقت طويل أصبح رجل أعمال ناجح.
قدمته لنا السينما دونما ذكر لأي انحدار أخلاقي رافق مرحلة تطوير نفسه، رغم أن هناك رواية مختلفة للقصة الحقيقية تقول أن "كريستوفر جاردنر" الشخصية الحقيقية في الواقع عنّف زوجته وتاجر بالممنوعات. لكني كمشاهدة لا يهمني صحة هذه الرواية من عدمها، بل على العكس ربما تزيد من واقعية القصة السنيمائية.
جميعنا يعلم أن الذي يغرق في البحر هو الذي لا يعرف السباحة وليس الكافر، وأفلام هوليوود تبرع في تقديم نماذج ناجحة من حياتها تجيد سباحة بحور الحياة المختلفة، في حين ما زال الحب وقصصه المتشابهة هو أكثر ما يشغل قصص أفلام السينما العربية، في حال استثنينا فيلم "بلال" الذي لم أشاهده بعد وما شابهه من أفلام ومسلسلات عربية.
ويحدث هنا وهناك أن التوفيق إذا كان من الله، فالله لم يخص به المسلم. فالعقّاد لم يصل إلى عالميته لأن الله وفقه كونه مسلم، فمن قتله مسلم؛ بل لأنه اجتهد حيث يبرع وحالفه الحظ، هذا الحظ هو نفسه الذي نسّبه لأنه لم يحالفنا.
وكان الأجدر بنا أن لا نسب هذا الحظ لأننا نحتاجه لنسد ديوننا، ونستثمر في مشاريع أخرى تليق بمستوى المجتمع الذي انضممنا إليه مؤخراً وتغيرنا. خلاصة الأمر أنه يحدث معنا أن الدين ليس هو معيار النجاح. ولكن السؤال الذي يتكشّف لي هو: هل النجاح هو الوجه الآخر من رضا الله علينا؟
ولأني خفت من حكمهم عليّ بادرت لفتح حبة الشوكولاتة سرعان ما ركبت سيارتي وتأكدت أنه لا أحد غيره يراني.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.