شعار قسم مدونات

الطبخ في زمن "BuzzFeed"

blogs - food
يحتاج الأمر مني إلى ساعات من التقليب في الوصفات سريعة التحضير في صفحة " BUZZfeed- food" وصفحة "Tasty" وأخواتهما على الفيس بوك، فالطبخة التي لا تأخذ منهم سوى دقائق.. تأخذ مني ساعات.

فأنا أحتاج إلى ساعة لتقليب عشرات الوصفات من وصفاتهم لاختيار إحداها في النهاية، ثم أحتاج إلى التفكير وتجهيز المكونات والتي غالباً ما يتم اكتشاف نقص في إحداها لديّ، ثم التحضير والذي يتطلب فتح وتشغيل وتوقيف وإعادة الفيديو عشرات المرات حتى تنتهي الوصفة ليتم تطبيقها بحذافيرها بعد ذلك او خلاله.. ثم احزورا ماذا؟ لا تنجح الطبخة ولا الوصفة معي تماماً كما تنجح معهم فيصيبني شعور بالفشل والاكتئاب الذي يفضي إلى قرار بعدم تكرار التجربة مرة أخرى.

اتخاذ قرار "ماذا سنطبخ اليوم؟" يسرق متعة تناول وجبة الإفطار وغالباً ما أقضي فترة الظهيرة كاملة في المطبخ للطهي في ذلك اليوم.

وفي كل مرة أقرر فيها تحضير وصفة من تلك الوصفات السريعة العجيبة الشهية المسيلة للّعاب فإنني آكلها تقريبا وحدي، وقد يجاملني زوجي بتناول شيء منها غصباً عنه لمحاولة عدم جرح مشاعري الطبخية، لكن فتاتاي الصغيرتان تأبيان أكل أي من تلك الوصفات التي "تلائم أطفالك الصغار"… فلا الشكل الناتج من الوصفة يجذبهن ولا حتى الطعم.
 

قلي البيض ونظرية أمّي
هل أكون وحدي من لا تجيد عمل هذه الوصفات؟ ربما، فأنا منذ أن وعيتُ على "لازم تتعلمي تطبخي" لا أجيد الطبخ ولا أحبه ولا يحبني ولا يثير اهتمامي ولا يجذبني، ولعل هذا ما جعل والدتي ما تزال تعتقد حتى هذه اللحظة وقد مضى على زواجي أكثر من أربع سنوات أنني "لا أجيد قلي البيض"، وهي تتأكد من ذلك في كل مرة أذهب لزيارتها فيها وأرفض الطبخ أمام عينيها خوفاً من إثبات ذلك.

لكن ليس الأمر حقاً كذلك، فأنا أجيد صنع كثير من الطبخات التقليدية التي كبرنا عليها، ومع مرور الزمن واضطراري للطبخ وتعلمه أصبحت محترفة في صنع "المنسف" التقليدي، وتتشكل "الملوخية" الشهيّة و"الفاصولية الخضراء والبيضاء" واليخنات بأنواعها وحدها دون الحاجة لتدخل عظيم مني، وقد تصالحتُ مع "المحاشي" وخاصة "الكوسا وورق العنب" رغم أنني لا أطبخها إلا مرة كل سنتين لأنها تأخذ مني أياماً من التخطيط والتجهيز.

كما ننحني أنا و"المجدّرة – العدس المطبوخ مع البرغل" لبعضنا البعض حباً واحتراماً وامتناناً، فيما أقيم مع أنواعٌ متعددة من "الشوربات" التقليدية كالخضار والعدس والفريكة معاهدة سلام… فهي غالباً ما تكون طيبة كريمة تثير ارتياح وابتسامة الجميع، وحدها "المقلوبة" التي أطبخها تأبى في كل مرة أن تتشرب ذلك الطعم المدهش الذي أتذوقه عند أمهاتنا.
 

لازانيا وأخواتها والأكل الفرنجي!
وكثيراً ما حاولت تطبيق اللازانيا، التشاينيز، وسلطات المكرونات المتعددة، لكنها لا تتكون معي كما يتوجب أن تتكون، أو مثلما أتذوقها لدى أخواتي وصديقاتي اللاتي يحترفنها، فينكسر قلبي في كل مرة أطبخها، وتتوه الروح بعيداً عن عالم الطبخ والطباخين.

فأروح حد الجزم بأن بيني وبين الأكل "الفرنجي" عداوة، فلم أقبل منه أي اتفاقية اقتصادية أو معاهدات سلام وآبى أن أسمح له باحتلال مطبخي، فأنا مؤمنة بنظرية المؤامرة الكونية على الطبخ العربي الشرقي، ولكن لا تصدقوا ذلك كثيراً، فأنا ماهرة في أكله بالتأكيد..

فهل أنا هكذا وحدي؟ أم أن هذه المواقع الجديدة والتي تظهر الطبخ بهذه السهولة والسرعة على غير ما تظهر عليه؟ صديقة لي قالت ذات مرة -وأنا أعتبرها ماهرة في الطبخ والطبيخ- إنها لم تحاول ولا مرة أن تطبق تلك الوصفات لأنها تراها بالفعل غير مناسبة لطريقة أكلنا الشرقية.

لكن المشكلة حقيقةً ليست في أنه أكل شرقي أو غربي، فلست أمانع أبداً كما ذكرت من تناول تلك الأكلات الشهية من أي صنف أو بلد كانت، لكن الأمر وبعيداً عن مشكلتي في تحضير الأكل "الفرنجي" أن جلّ تلك الطبخات يغلب فيها استخدام مكونات ثقيلة ودسمة كالزبدة والزيوت والكريما الثقيلة والأجبان المتنوعة كالموزوريلا والتشيدر والخبز والبسكويت والشيكولاتة هذا إضافة إلى استخدام مكونات جاهزة أصلا للأكل كخلط الشيكولاتات المعروفة وتذويبها مع بعضها البعض لتشكيل حلوى معينة، وأنا وإن كان الأكل الشرقي ليس بالمثالي صحياً لكنني أحاول كثيراً التقليل من استخدام الزيوت والدهون والمُصنّعات والمُعلّبات بأنواعها في الطعام، فكيف بإدخالها بهذه الكميات الكبيرة في وصفة واحدة.
 

زمن الـTasty والـBuzzfeed
هذه المواقع التي بدأت بالانتشار مؤخراً تقدّم الطبخ على أنه مسألة سهلة يسيرة لا تكلّف الكثير من الوقت ولا تحتاج إلى تلك المهارة العالية والاحترافية، كما أنها تقدم أفكاراً جديدة للطهي بالمتوفر من مكونات وبطرق تقديم جميلة وهي تُدهش المشاهد بصور الطعام الشهية قبل وبعد الانتهاء منه، إذ غالباً ما يسيل اللعاب عند الصورة النهائية للطبخة والتي تبدو فيها المكونات ممتزجة مع بعضها بلذة لتبدو مثيرة للجوع بمرافقة الموسيقى ذات الرتم المناسب.

لكنني رغم محبتي لمتابعة تلك الطبخات والوصفات، ما زلت أرى الطبخ عملية تستنزف كل الوقت والتفكير والجهد الذهني والبدني، فاتخاذ قرار "ماذا سنطبخ اليوم؟" يسرق متعة تناول وجبة الإفطار وغالباً ما أقضي فترة الظهيرة كاملة في المطبخ للطهي في ذلك اليوم، حتى وإن كان الطعام ذا مكونات قليلة الدسم أو من غير لحوم، وغالباً ما ألغي أي مشوار طويل خارج البيت يوم الطبخ، وقد أؤجله إلى المساء أو لليوم التالي، حيث سيكون لدي أكل زائد يمكن تسخينه، ولست وحدي فكثيراً ما تعتذر صديقة ما عن موعد بيننا لأنه: "لديها طبيخ اليوم".

هل أثر هذا الغزو من صفحات الطبخ السريع ومحترفي الطبخ على الفيس بوك على محترفي الطبخ وعلى حرفتهم، بعد أن كان العز لهم قبل فترة قليلة فقط؟

لكن لا غرابة… لأن عصرنا السريع في كل شيء يحتاج إلى مواقع وصفحات تعتمد السرعة والصورة ذات الجودة العالية والمشاهد المثيرة للشهية، وهذه الصفحات تتمتع بنسب متابعات ومشاهدات عالية جداً، وتتضمن كثيرٌ منها "كـBuzzfeed Food " إعلانات مختلفة كالتصوير في مطاعم تقدم أكلات شهية وغالباً جديدة على الجائعين وعشاق الطعام وتذوقه، وقد بدأت صفحات عربية تنشأ على ذات النمط السريع في تقديم طرق الأكلات المختلفة، كما بدأت تنتشر صفحات لأشخاص يعشقون الطبخ ويقدمونه للمتابعين على شكل صور وفيديوهات.
 

ويتشارك الألوف من الناس تلك الفيديوهات، ولست أدري إن كانوا يطبخونها بنفس عدد مشاركتها، كما أنني أعرف أن الكثيرين ربما يرون فيها المنقذ لهم لأنها تشجع من لا يجيدون الطبخ أو المغتربين والعازبين والطلبة البعيدين عن أهلهم على الطبخ.. إضافة بالتأكيد إلى أولئك الكسالى المدمنين على الأكل الجاهز من مطاعم الأكل السريع المنتشرة.

ولكنني أتساءل ما رأي الطباخين المحترفين في عالمنا العربي؟ وقنوات التلفاز المتخصصة بالطبخ والتي صار بعضُها يحتاج إلى اشتراك مدفوع، وما رأي شيفات الطبخ المعروفين، وأولئك المشاهير من أمثال منال العالم والشيف رمزي وغيرهما، فهل أثر هذا الغزو من صفحات الطبخ السريع ومحترفي الطبخ على الفيس بوك عليهم وعلى حرفتهم، بعد أن كان العز لهم قبل فترة قليلة فقط؟

وأخيراً هل سيكون هناك استطلاعات للرأي تظهر مدى فاعلية هذه الصفحات على المتابعين، لنجد أرقاماً عن عدد اللذين تابعوا فنشروا ثم طبخوا.. مقارنة بعدد اللذين تابعوا فنشروا ثم أعادوا المقطع عشرات المرات ثم طبخوا "باميا بلحمة العجل المفروم" مثلاً؟!.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.