شعار قسم مدونات

لن يربين صلاح الدين الأيوبي أو محمد الفاتح

blogs - hourse

في القرن الماضي كانت الأمة تُحلي مرار واقعها بحلم عودة صلاح الدين الأيوبي على فرس ليحرر لنا القدس.. كمَخرج فاشل يُعبر عن واقعها الذي سقطت منه مكانته الحضارية بسلب القدس المحتلة
ثم مضى ذلك القرن بهدوء لم نسمع فيه صهيل أسطورة فرس صلاح الدين.

وقبيل القرن الحالي بدأت الأمة بصحوتها وصارت عقولها أكبر من تقبل هكذا أسطورة كمخرج لها،  وبدأت تبشر بإمهات مربيات من الطراز الأول تربى أولادها كصلاح الدين الأيوبي ليحرر قدسها وكمحمد الفتاح ليعيد عزها.

ولكن.. أما وبدأنا بيقظة أكثر رشدا من تلك الصحوة، آن لنا أن ندرك أن تربية طفل ليصبح صلاح الدين أو محمد الفاتح باتت فكرة قريبة من الأسطورة..

معطيات واقع كل من صلاح الدين ومحمد الفتاح كانت مناسبة لإنتاجهما، فصلاح الدين سبقه جيلين من النهضة في الهوية والفكر.

بغض النظر عن توالي سقوط عواصم الوطن العربي، إنما هذا الحلم في واقعه ليس دقيقا وربما يزيد الأمر تعقيدا عندما تنصدم الأم بفشلها في إنتاج ذلك ستكون النتيجة عكسية وسيزيد الأمة إحباطا..

والسبب ببساطة أن معطيات واقع كل من صلاح الدين ومحمد الفتاح كانت مناسبة لإنتاجهما، فصلاح الدين سبقه جيلان من النهضة في الهوية والفكر تمثلت في نور الدين زنكي وما قبله، والعديد من المعطيات التي تُسبب النصر من وحدة الأمة واستبسالها وعلو الدين في نفوسهم، كل هذا مكنه من تحقيق هذا الإنجاز العظيم بتحرير القدس.

أما محمد الفاتح فقد ورث السلطانية في الدولة العثمانية فكانت أسباب التمكين في يده، وكانت معطيات الأمة من عزة وتمكين تمكنه من تحقيق هذا التحدي في فتح القسطنطينية.. نعم هو تحدي وإنجاز عظيم لكن إنجاز واقعي ومناسب لعصره.

كانت إنجازات عظيمة لكنها واقعية، تحمل تميز وعزة توفرت لها أسباب تحقيقها. أما في عصرنا نحن الخالي من كل أسباب التمكين والمفتقر لكل معطيات النصر، فإن تربية أطفال ليحققوا هكذا إنجازات أشبه بالأسطورة.

والطلب الجماهيري من الأمهات بإنتاج هكذا جيل طلب تعجيزي لن يضيف للأمة إلى المزيد من الإحباط، لذا علينا بالكثير من الرشد في إيجاد مخرج أو إعلان مطلب للأمهات.

فمن الواقعي أن نطلب منهن تربية أطفال لإنجاز يتناسب مع افتقارنا لأسباب التمكين مثل انتاج جيل مميز ومتفوق في جانب من جوانب الحياة، جيل ينتج تميز في صرح علمي أوفكري أو مهني أو صناعي، ثم يمكن للأجيال القادمة بعدنا أن تحلم وفق معطيات التمكين التي خلفها لها جيلنا.وحينها.. سيكون الحلم بإنتاج جيل يفعل كفعل صلاح الدين ومحمد الفاتح أكثر منطقية وأقرب للواقع.

لا تطلبوا من الأمهات أن يربين صلاح الدين الأيوبي أو محمد الفاتح، إنما اطلبوا منهن أن يربين علماء ومفكرين وأدباء ومبدعين، وسيأتي بعد ذلك جيل يكمل ما بدأنا به.

سنة التدريج والتمكين لن تفلتنا من قبضتها وإن أسقطناها من حساباتنا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.