شعار قسم مدونات

ما حاجة العرب للديمقراطية؟!

blogs - ballot box
هل الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، ووجود انتخابات رئاسية وبرلمانية، وحرية الصحافة هي ما نحتاجه في عالمنا العربي لنكون في مصاف الدول المتقدمة؟ أو على الأقل للعيش بكرامة وإنسانية وعدالة اجتماعية؟

قد تكون الإجابة البديهية لهذا السؤال التقليدي هي نعم! لكن في المقابل، هل يمكننا أن نتقدم أو ننهض بدون ديمقراطية؟ أو أن تنعم الشعوب باستقرار ورخاء اجتماعي بدونها؟ أعتقد أن إجابتي ستكون بالتأكيد نعم!

وقبل أن نجيب على هذا السؤال الشائك، سنستعرض تجارب بعض الأمم في النهضة والتقدم دون ديمقراطية، بل وبالدكتاتورية أحيانا استطاعت بعض الأمم تحقيق نهضة من نوع ما تتفوق أحيانا على بعض النظم الديمقراطية.

استطاع العراق تحقيق نوع من النهضة، وعاش العراقيون في رخاء اقتصادي، رغم سيطرة حزب البعث على السلطة

قامت الصين الحديثة مثلا على أساس الشيوعية الماوية، ولَم تعرف أي شكل من أشكال الديمقراطية، ولا التداول السلمي للسلطة في تاريخها الحديث منذ عام 1949. بل وقام النظام الصيني بقمع انتفاضة شعبية في ميدان القبة السماوية عام 1989، وسحقت الطلبة المشاركين فيها بالدبابات، وظل الحزب الشيوعي الصيني الحاكم الأوحد حتى الآن. كما لا يوجد فيها أي نوع من حرية التعبير أو المعارضة السلمية أو حتى تصفح الإنترنت بحرية.

ومع ذلك تحقق الصين أعلى نسبة في النمو الاقتصادي، وظهرت طبقات غنية، وتنامى حجم الطبقة الوسطى، بما ضخته فيها الشركات الغربية من استثمارات قُدرت بأكثر من 129 مليار دولار عام 2014 فقط أتاحت توفير فرص عمل بعشرات الملايين للشعب الصيني. فشركة فوكسكون التي تعمل لحساب شركات أمريكية رأسمالية مثل أبل وغوغل وديل وإنتل وغيرها؛ لديها حوالي 450 ألف موظف صيني.

كما أدت الاستثمارات الأجنبية إلى نمو الصادرات، ولديها أكثر من 3 تريليونات دولار من النقد الأجنبي، وأصبح الاقتصاد الصيني ثاني أكبر اقتصاد عالمي بعد الولايات المتحدة بناتج إجمالي يقترب من 5 تريليونات دولار عام 2015.

وكل هذا يحدث في دولة شيوعية تحكم بالحديد والنار!
فهل الصين اليوم في حاجة إلى الديمقراطية أو حتى احترام حقوق الإنسان وحرية التعبير لتحافظ على نموها، وتقدمها؟ بالطبع فإن الإجابة المنطقية هي لا! وهل حال اليونان والبرتغال وإيطاليا وإسبانيا وكلها نظم ديمقراطية بأفضل حال اقتصاديا واجتماعيا وعلميا من التنين الصيني؟

أما جارتها الأقرب جغرافيا، والدولة التي توصف بأنها أكبر ديمقراطية في العالم بعدد سكان يقترب من المليار نسمة، فلم تستطع مجاراة الاقتصاد الصيني رغم الديمقراطية، والتسامح الديني النسبي، وحرية الصحافة والتعبير والأحزاب والمعارضة السياسية وبرلمانها المنتخب رغم إحراز بعض التقدم الاقتصادي النسبي الذي لا يمكن مقارنته بما حققته الصين. إذ لم يتجاوز الناتج الإجمالي المحلي الهندي عام 2016 نصف ما حققه نظيره الصيني في السنة السابقة.

حققت دول الخليج وفرة مالية نتيجة ارتفاع أسعار النفط، ويعيش معظم مواطنيه اليوم في وضع اقتصادي ممتاز مقارنة بأشقائهم في العالم العربي

أما في عالمنا العربي؛ فقد استطاع العراق تحقيق نوع من النهضة العلمية والصناعية في سبعينيات القرن الماضي، وانتعشت حركة التعليم والترجمة، وعاش العراقيون في رخاء اقتصادي، ووفرة مالية رغم سيطرة حزب البعث على السلطة، وظروف الحرب العراقية الإيرانية وقمع المعارضة. ومع هذا ظلت البلاد في نهضة من نوع ما حتى عام 1990، فهل استفادت من الديمقراطية المحمولة على ظهر أمريكا؟ وهل تقدمت البلاد وتطورت أكثر أم عادت إلى الوراء، ودخلت في دوامة الحرب الأهلية رغم وجود الأحزاب ذات التوجهات المختلفة وحرية الصحافة!

ماذا أفادت الديمقراطية والتعددية الحزبية، وحرية التعبير، والصحافة الحرة المواطن اليمني مثلا؟ وهو الذي يرزح اليوم تحت ظروف صعبة من الفقر والأمية والمجاعة والاحتراب الأهلي؛ بينما كان اليمن الجنوبي الاشتراكي غير الديمقراطي أفضل حالا اقتصاديا وأكثر أمنا واستقرارا، وأكثر تعليما، وأقل فقرا من نظيره الشمالي.

ثم يأتينا من يقول إن الديمقراطية هي الحل، أو الإسلام هو الحل!

في المقابل، حققت دول الخليج وفرة مالية نتيجة ارتفاع أسعار النفط، ويعيش معظم مواطنيه اليوم في وضع اقتصادي ممتاز مقارنة بأشقائهم في العالم العربي، وكل ذلك تحقق لأسباب قد تكون من بينها غياب الديمقراطية التي عطلت عجلة النهضة في الكويت، حيث توقفت فيها الحداثة عشية الغزو العراقي في العام 1990 بسبب تدخلات مجلس الأمة المنتخب المستمرة في عمل الحكومة، وتعطيله عجلة النمو كما يقول البعض. بل تسجل الكويت نسبة فساد مرتفعة مقارنة بشقيقاتها الخليجيات التي كل مجالسها التشريعية غير منتخبة!

الديمقراطية قد تكون ترفا لا حاجة له إذا استطاع أي نظام حاكم بغض النظر عن طبيعته أن يوفر لمواطنيه بيئة يأمن فيها الإنسان على نفسه وأسرته

أما المواطنون في الدول الغربية فلا يعنيهم كثيراً الحزب الذي سيفوز في الانتخابات، ولا هوية الرئيس القادم بقدر ما يهمهم أن يضمن لهم الفائز الحد الأدنى من متطلبات الحياة الرئيسة، أو ما سيوفره من المزيد منها. وكثيرا ما يكون البرنامج الانتخابي متركزا في توفير مزيد من الوظائف، وتحسين الرعاية الصحية والتعليم، وزيادة الضمان الاجتماعي.

وهذا ما ركز عليه دونالد ترامب الذي وصف بالعنصري ومهاجمة الأقليات في برنامجه الانتخابي، وأوصله إلى سدة الرئاسة؛ لأن جلّ خطابه كان متركزا على توفير الرخاء للمواطن الأمريكي. ولم تنفع هيلاري كلينتون قضايا البيئة، والتفوق العسكري، ومواجهة روسيا وكوريا الشمالية، وقيادة العالم، بل ولا حتى إعطاء حقوق أكثر للنساء، فكلها قضايا لا تهم المواطن العادي كثيرا!

إن الديمقراطية وأدواتها قد تكون وسيلة من وسائل التقدم الحضاري في بعض الأمم، وقد تضمن الرخاء للمواطنين لكنها بالتأكيد ليست الوسيلة الوحيدة لضمان تحقيق ذلك. وإذا استطاع أي نظام حاكم بغض النظر عن طبيعته أن يوفر لمواطنيه بيئة يأمن فيها الإنسان على نفسه وأسرته، وتُحترم فيها كرامته الإنسانية، وتتوفر له متطلبات العيش الكريم حسب هرم ماسلو، فإن الديمقراطية -في هذه الحالة -قد تكون ترفا لا حاجة له، وعبئا لا داعي له، بل تضمن الأنظمة الحاكمة بتوافر ما سبق ولاء مواطنيها المطلق، ولها أن تبقى في الحكم إلى الأبد، ولن يثور عليها أحد، ولو كان هناك بعض الفساد، وبعض الدكتاتورية!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.