شعار قسم مدونات

متلازمة كفر البطيخ!

Egyptian player Essam El Hadary celebrates during the 2018 FIFA World Cup qualifying soccer match between Egypt and Ghana at Borg Al Arab Stadium in Alexandria, Egypt, 13 November 2016.

من السد العالي إلى الهارب، هكذا انقلب السحر على الساحر في سنوات قديمة بالنادي الأهلي، حينما قرر حارس الفريق وأحد قادته السفر دون إذن إلى سويسرا، وترك فريقه من أجل فرصة أفضل -كما كان يتخيل- في سيون، ليتحول الحضري في يوم وليلة من أسطورة لا تتكرر إلى شيطان يستحق الرجم من وجهة نظر جمهور الأهلي وإعلامه.
 

أعترف أنني كنت مثلهم، ولا أعرف إن تغيرت الآن أم لا، لكن الحقيقة الوحيدة أن عصام الحضري يفوز أكثر ما يخسر، وحتى في حالة خسارته فإنه يقع واقفا لا يستسلم أبدا. لم يحصل الحارس على الشهرة الكافية في أوروبا، وعرف سريعا أنه كان ضحية لأحلامه وشهوة المال التي لا يطيق التخلص منها، وبعد رحلة احتراف قصيرة ومنسية، عاد حامي العرين إلى بلاده من جديد، لكن بعد فوات الآوان، حيث أغلقت كل الأبواب في وجهه.
 

عصام الحضاري مثل جانلويجي بوفون، هذه ليست مبالغة على الإطلاق، يتشابه الثنائي في العمر الكروي الطويل والقيادة من الخلف.

لا أمل في الرجوع إلى الأهلي، تقول الأسطورة أن الراحل من القلعة الحمراء لا يعود ولو بعد حين، ولا تزال الحناجر الغاضبة في المدرجات تنادي برقبته. الكل بلا استثناء يسير خلف المدرب البرتغالي الذي يصفه مجاذيبه بالساحر، الرجل الذي حصل على بطولات لا تعد ولا تحصى في مصر، لكنه لم يحقق أي شيء يذكر خارجها، لا قبل ولا بعد ولا في أي زمن، إلا أنه يظل المعبود بالنسبة لكل عشاق نادي القرن، لذلك لم يغفر أحد للحارس مهما علت اعتذاراته، وأنا معهم "عالمرة قبل الحلوة"!
 

دارت الأيام ولعب الحضري في عدة أندية، جرب حظه في الإسماعيلي، الزمالك، المريخ السوداني، الاتحاد السكندري، وأخيرا في وادي دجلة. آمن الحارس بالواقع وأيقن أن الماضي لن يعود، لكنه وضع نصب عينيه هدف واحد فقط، ما دامت العودة إلى الأهلي مستحيلة، فالأمل في من هو أهم بالوقت الراهن، كأس العالم هو الحل.
 

"إذا رغبت في شيء، فإن العالم كله يطاوعك لتحقيق رغبتك"، جملة قرأتها في رواية الخيميائي ولم أصدقها، ظننت أنها مجرد عبارة من عبارات التنمية البشرية، لكن عصام الحضري كررها أمامي وتحدى الجميع، من الإعلام إلى جمهور الأهلي والزمالك، مرورا بالزمن وأحكامه، ليظهر وكأنه أوقف عقارب الساعة، وعاد بالسنوات إلى الوراء، ليصبح الحارس الأساسي لمنتخب مصر.
 

اجتهد عصام وتدرب بشكل قوي، لم يقف أمام هفواته التافهة في الدوري المحلي، ساعده الحظ أيضا بالمستوى السيء لمنافسه الشناوي في نهائي أفريقيا، والاهتزاز المتواصل لابن إكرامي في الأهلي، لينتزع الخانة الأساسية في الوقت المناسب، أثناء التصفيات النهائية المؤهلة لكأس العالم.
 

تكتيكيا، الحضري هو أفضل خيار ممكن لمدرب مثل هيكتور كوبر، رجل يلجأ إلى دفاع المنطقة، لا يهاجم كثيرا في نصف ملعب المنافسين، ويغلق مناطقه جيدا أملا في هدف من كرة ثابتة أو مرتدة، إنها فلسفة الأرجنتيني التي يحافظ عليها مهما حدث، وبالتالي يحتاج هذا اللاتيني إلى حارس عملاق، يعرف متى يكسر نسق المباراة، وأين يمرر إلى زملائه، وكيف يقتل حماس الخصوم، ولمن يوجه نصائحه في الأوقات الصعبة.
 

وبالعودة إلى مباراة غانا سنجد تحول هذه الافتراضات إلى حدث حقيقي، كلما اشتد هجوم الضيوف في برج العرب، يقع الحضري على الأرض طالبا الحكم، مما يجعل الأمر أصعب أمام الفريق الآخر، لدرجة ذهابهم إلى حامل الصافرة واعتراضهم المستمر، وعندما يجد الحارس عدد كبير من هجوم غانا بالقرب من منطقته، يقرر سريعا إرسال كرة طولية إلى زملائه بالثلث الأخير، ليتحكم الحضري فعليا في أجواء المباراة خلال آخر 45 دقيقة.
 

أجد نفسي أسير لحالة استثنائية، حيث أنني لا أتعاطف فقط مع عصام لكونه حارس منتخب مصر، بل صرت أتمنى صعود هذا الفريق إلى المونديال من أجله هو فقط.

عصام مثل جانلويجي بوفون، هذه ليست مبالغة على الإطلاق، يتشابه الثنائي في العمر الكروي الطويل والقيادة من الخلف، مع قدرة كبيرة على التكيف وفقا لظروف فرقهم، فالآزوري على مر تاريخه فريق دفاعي بامتياز، كما يلجأ إلى مدافع فذ فإنه في أشد الحاجة لحارس قوي في التصديات، والمنتخب المصري مع كوبر على نفس الخطى، لذلك يعتبر حارس مرماه هو الرقم الصعب في التشكيلة، لأن أي إسم آخر يعني خلل رئيسي داخل الخطة.
 

رغم أسطورية الحضري خلال سنوات طويلة، لم أعرف أبدا مشاعر الألفة بيني وبينه، ربما بسبب رحيله عن الأهلي دون سابق إنذار، ومن الممكن لكونه شخص مادي من الطراز الأول، يريد دائما المال قبل أي شيء آخر، عكس من ينظر إلى هذه اللعبة من وجهة شعبية بحتة، وبالتأكيد هناك جانب خاص لتملقه المستمر للمخلوع في حقبة ما قبل 2011.
 

ومع كل هذا التنافر أجد نفسي أسير لحالة استثنائية، حيث أنني لا أتعاطف فقط مع عصام لكونه حارس منتخب مصر، بل صرت أتمنى صعود هذا الفريق إلى المونديال من أجله هو فقط، وأريده كأول اسم في التشكيلة خلال كافة المباريات المقبلة، لقد تحولت إلى شخص أتعاطف مع من أكرهه، وأتمنى له كل التوفيق بشكل فردي لا جماعي فحسب.
 

شيئا فشيئا تحولت إلى مصاب بظاهرة نفسية تصيب الفرد عندما يتعاطف أو يتعاون مع عدوه، أو من أساء إليه بشكل من الأشكال، أو يظهر بعض علامات الولاء له مثل أن يتعاطف المخطوف مع المُختطف، شيء قريب من ما يعرف علميا بـ "متلازمة ستوكهولم"، لكنها في الحقيقة متلازمة كفر البطيخ!
 

* كفر البطيخ هي مدينة بحافظة دمياط المصرية، مسقط رأس الحارس عصام الحضري.

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان