التحريض والدفع إلى الكراهية والعداء الاجتماعي على أسس قومية وطائفية أصبح سلعة رائجة في بعض دول العالم العربي وهو يحظى بدعم سياسي وغطاء دول إقليمية لها مصلحة في بث تفرقة وصراعات تحقق مأربها.
وصار البغض نارا مستعرة تعتمد في نموها على غياب الوعي وتحرق المجتمعات وتهدد السلم الاجتماعي وتثير الحروب الأهلية، تنهي التفاهم وتوجد الرغبة في الانتقام واستئصال المخالفين وتبرير التطرف والتعدي حتى على الأطفال والنساء وانتهاك الحرمات.
إيران التي تدعم الطائفية في البلدان العربية وتدعم المليشيات والتناحر، وهنالك تقارير بأنها تدعم داعش ايضا؛ تمنع وتعاقب بأشد العقوبات كل تحريض من هذا النوع داخل إيران |
منذ سنوات ونحن في العراق نرى حملات الكراهية والتحريض الديني والقومي والمذهبي عبر قنوات إعلامية وصحفية ونخب سياسية، وامتد ذلك لوسائل التواصل الاجتماعي ويدعوا أكثرها إلى تعميم حوادث أوأفعال فردية ونسبتها لمجموعة من الناس ليؤدي لتحريض متبادل وعداء اجتماعي خطير جدا.
وفي الموروث الشعبي عندنا في العراق هنالك إرث طويل وممتد من التعايش يصل في جدوره إلى الأيام الأولى من بناء بغداد، وما قبل ذلك وهنالك كثير من المقولات الشعبية الراسخة في التراث تدعو لاحترام الآخرين وعدم التدخل في خصوصياتهم فيقال مثلا" واحد شايل لحيته والآخر متثاقل منها" و" كل عنزة تتعلق من كراعها"… الخ .
ولكن ذلك وغيره لم يجد نفعا في فرض التعايش ومنع الحرب الأهلية والتطهير الطائفي والاستبداد الديني لطرف على آخر. وهنا قد يقال إن التعايش في بعض الدول كان هشا ومضغوطا بحكومات مستبدة غير عادلة أحدثت فجوات اجتماعية بين الناس لم تظهر إلا بعد سقوط تلك الأنظمة فلما زالت الانظمة انفلت الامر ولم يعد تحت السيطرة ؛ وقد يكون ذلك صحيحا ولا يمكن أن تصل الأمور للقتل والتطهير وانتهاك الحرمات، لو لم يكن هنالك دفع سياسي وإعلامي ودعم بالسلاح والتمويل والغطاء السلطوي لهذه الأفعال.
وفي حالة العراق أو سوريا مثلا وصل الأمر لمراحل متقدمة ولم يعد بإمكان الشعب ولا الدولة ولا الإقليم حل المشكلة، ولم يعد بمقدور العقلاء والمثقفين أيضا التأثير على الجمهور المتوتر المسير بحقده وبغضه، وأصبح الأمر يتطلب تدخل دولي لديه رغبة حقيقية بأن يعيد التوازن ويحقق العدالة وينهي الاقتتال والعداء، إذ لم تعد هنالك ثقة لا بحكومة ولا بغيرها ولابد من رفع يد الدول الإقليمية التي أثارت النعرات وعاشت عليها وعبثت بالنسيج المحتمعي لتحقق مآربها.
إن دول العالم تدرك خطورة التحريض على الكراهية والعنف وتمنع ذلك في أراضيها وتعاقب عليه ، وقد نص القانون الدولي في المادة 20 منه على أنه " تحظر أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف".
من مصلحة الدول الكبرى التي تتنافس على السيطرة في الشرق الأوسط أن تترك المجال للفوضى الخلاقة |
وحتى إيران التي تدعم الطائفية في البلدان العربية وتدعم المليشيات والتناحر، وهنالك تقارير بأنها تدعم داعش ايضا؛ فإنها بنفس الوقت تمنع وتعاقب بأشد العقوبات كل تحريض من هذا النوع داخل ايران ، وقس على ذلك كل الدول التي لها مصلحة في دعم ما يجري من حرب اهلية في الشرق الأوسط.
لقد كان من مصلحة الدول الكبرى التي تتنافس على السيطرة في الشرق الأوسط أن تترك المجال للفوضى الخلاقة تفعل فعلها بقنوات تبث من أراضيها، ومتطرفين يتخلصون منهم بفتح المجال لهم ليلتحقوا بالمحرقة.. ثم ترجع تلك الدول فيما بعد لإعادة ترتيب المنطقة كما تريد وتحل النزاع لصالحها.
لعلاج سريع لابد من إيقاف التحريض ومنع العدوان وإعادة سيادة القانون والدولة وفرض العدالة والحرية، والحكم الرشيد ثم العمل على رفع الوعي العام والعقل العلمي وإشاعة ثقافة التعايش والحوار لتجاوز، وعلاج تلك المشكلات الاجتماعية والأمراض الفتاكة التي أصابت المجتمعات العربية وأدت إلى دمار والهلاك والفتن.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.