ضحكوا وتناولوا النكات والمزاح، وقاطع الأعزب منهم صديقه المتزوج قائلا: "راحت عليك يا غلبان، أنا حاسس إني رح تزوج 72 حورية في الجنة، أنت رحت استعجلت وأخدت من حور الطين مش عارف تستنالك شوية يا راجل؟"، انفجر صديقه ضاحكاً ورد عليه دون تفكير: "عارف إني حاسس نفس الإحساس ومتأكد إنها ما راحت عليا! أصلا المتزوج والأعزب فش فرق بينهم في قصة الحور العين يا راجل، بالعكس المتزوج بصير عنده حور أكتر لما تلحقه زوجته عالجنة إذا ربنا شاء"، ثم أعلن بصوته لرفاقه الذين يبعدون عنه بضع أمتار داخل طريق النفق: "كملوا كملوا النشيدة يا شباب والله روحي نعنشت بهالسيرة".
أتعرفون من هؤلاء؟ إنهم رجال الأنفاق ويعرفون في بلادي بأنهم رجال الإعداد، هذه الثلة تستعد لمرحلة مقبلة هي الحاسمة في قضيتنا |
الاتصالات لا تصل إلى أعماق الأرض، فلا مجال لوالدة أحدهم الاتصال والاطمئنان على ولدها، ولا لزوجة أن تخبر زوجها بأنها تريده في أمر عارض، ولا لأي اتصال كان، لا صوت سوى ضرب المعاول في الصخور ونشيد تكتمه الأرض في أعماقها وأكثر من عشرة وجوه تتلألأ كأنها القمر في أوج اكتمال نوره.
تفرق جمعهم على طول النفق الممتد تحت أراضي قطاع غزة وصولا إلى الأراضي المحتلة، فأصبحوا كسلسلة متشابكة، حتى انطلق صوت من بعيد وكأنه مختنق: "انتبهوا يا شباب حيطان النفق شكلها مش ماسكة حالها، شكلها مع الشتا وضعها كرب، ومش رح نقدر نكمل حفر فيها بلاش تهيل علينا!".
هدأ تصدع الصخور وهفتت أصوات المعاول وسكت النشيد وغلب التكبير والتسبيح؛ فالمياه غمرت النفق بمن فيه بعد انفجارها وانهيار جدرانه الطينية، امتزج الطين بأجساد سبعة من الشبان بينما كان البقية خارج عين النفق، تشابكت أيديهم كمن أراد التمساك بمن حوله لبدأ رحلة جديدة إلى كوكب غير الأرض، رفع جميعهم أصبع السبابة وتواعدوا بأن يلتقوا في الجنان، فنسيمها هبّ عليهم فعرفوا توجه بوصلتهم.
أغمضوا عيونهم وأعلنوا شهادتهم بأن لا إله إلا الله وأنّ محمدا رسول الله، منهم من اغتنم لحظاته الأخيرة فسجد ورحل، وكلهم على ذات الطريقة وصلوا حيث فردوسهم والشهداء والصادقين وحسن أولئك رفيقا!
أتعرفون من هؤلاء؟ إنهم رجال الأنفاق ويعرفون في بلادي بأنهم "رجال الإعداد"، هذه الثلة تستعد لمرحلة مقبلة هي الحاسمة في قضيتنا، يستعدون لفتح أبواب المسجد الأقصى ودحر المحتل عن الأرض، هؤلاء الرجال لا يعرف كنه أسرارهم إلا بارئ أرواحهم.
ولمن أراد معرفة المزيد عن مجموعة الأبطال السبعة الذين ودّعوا الحياة داخل عين النفق فهم: ثابت الريفي، غزوان الشوبكي، عزالدين قاسم، وسيم حسونة، نضال عودة، جعفر حمادة، محمود بصل.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.