شعار قسم مدونات

موجز قصة سلاجقة الروم.. سادة العثمانيين!

A photo made available on 13 July 2016 shows a general view of Saint Gregory church as part of the ruins of Ani, near the city of Kars, Turkey, 22 January 2010. Ani is a ruined medieval city located on the high East Anatolian plateau on the border to Armenia. The Historic City of Ani was named to be added to the UNESCO World Heritage list on 15 July 2016. The 40th World Heritage Committee meets in Istanbul from 10 to 20 July.

كانت معركة ملاذكرد في هضبة الأناضول من أهم المعارك الاستراتيجية في تاريخ العسكرية الإسلامية، فقد أدت هذه المعركة التي انتصر فيها السلاجقة بقيادة السلطان ألب أرسلان على الإمبراطورية البيزنطية بقيادة الإمبراطور رومانوس ديوجنيس الذي وقع أسيرًا سنة 463هـ إلى زيادة قوة الدولة السلجوقية وضعف وتقهقر الإمبراطورية البيزنطية، فضلاً عن الأحداث السياسية والاضطرابات الداخلية التي كانت تحدث داخل البيت البيزنطي التي ساهمت في هذا الصعود السلجوقي آسيا الصغرى.
 

وبعد وفاة السلطان ألب أرسلان في عام 465هـ، سار ابنه السلطان ملكشاه على سياسة أبيه التوسعية لا سيما في آسيا الصغرى، لكن قيام مملكة سلاجقة الروم في الأناضول لم يرجع إلى الدولة السلجوقية النظامية وحدها بقدر ما رجع إلى العناصر التركمانية المستقلة القادمة من وسط آسيا.
 

والتركمان الذين قدموا من آسيا الصغرى ينقسمون إلى قسمين: التركمان الخلّص الذين حرصوا على الإغارة على البيزنطيين وعلى كل ما يتعلق بحكومة نظامية من أفكار. ثم التركمان الذين أقاموا في آسيا الصغرى دولة نظامية شبيهة بالتي أقامها بنو عمومتهم في إيران ولقد استغلت هذه القبائل التركمانية الفرصة في التوسع داخل آسيا الصغرى حتى وصلوا إلى بحر مرمرة والبسفور وبحر إيجة، وكان بذلك باكورة التقدم التركي العثماني فيما بعد ذلك بعدة قرون.
 

ومن الغريب أن سليمان بن قتلمش بن سلجوق ت479هـ مؤسس هذه الدولة الجديدة لم يكن من بين القادة الذين أرسلهم السلطان ألب أرسلان بعد ملاذكرد وعزل الإمبراطور البيزنطي رومانوس إلى تلك المنطقة، لكنه استغل الفرصة المتاحة بانشغال كل من السلاجقة وبيزنطة في حروبهم ومشاكلهم الداخلية للتوسع في آسيا الصغرى من جهة أخرى، وقد كان أبوه قتلمش قد لقي هزيمة في عام 465هـ وأبعد أبناءه سليمان ومنصور إلى الحدود البيزنطية، فقاموا بجمع القبائل التركمانية حولهم.
 

وقد أضحت الدولة السلجوقية في آسيا الصغرى بقيادة سليمان بن قتلمش ذات شوكة وبأس بحيث استعان بها الإمبراطور البيزنطي في القضاء على ثوراته الداخلية!
 

بلغت دولة سلاجقة الروم أوجها في عهد السلطان قلج أرسلان الثاني (551 – 588هـ) والذي استطاع القضاء على دولة الدنشمانيين ومقاومة الصليبيين وتكبيدهم خسائر فادحة

وتعد هذه الإمارة من أولى الدول التي انفصلت عن الدولة السلجوقية وإن دانت لها بالولاء السياسي في زمن السلطان جلال الدين ملكشاه (ت485هـ)، وحينما اعتلى القائد العسكري البيزنطي أليكسيوس كومنين عرش الإمبراطورية البيزنطية في عام 473هـ كان عليه أن يعيد بناء دولته التي أنهكتها الثورات ومؤامرات العسكريين والدوقات، ولذلك فإنه لم يجد بدًا من التسليم بالأمر الواقع ناحية جيرانه سلاجقة الروم خاصة وأنهم كانوا في ذروة قوتهم ومجدهم العسكري.
 

وفي تلك الأثناء وفي عام 477هـ لاحت أمام سليمان فرصة ذهبية لاستعادة مدينة أنطاكية التي كان الروم قد استولوا عليها من أيدي المسلمين منذ عام 358هـ، وبالفعل استثمر سليمان هذه الفرصة في ضم هذه المدينة الاستراتيجية إليه، وقد فصّل ابن الأثير الأسباب التي دفعت سليمان لفتح هذه المدينة بقوله: "في هذه السنة سار سليمان بن قتلمش، صاحب قونية وأقصروا وأعمالها من بلاد الروم، إلى الشام، فملك مدينة أنطاكية من أرض الشام، وكانت بيد الروم من سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة. وسبب ملك سليمان المدينة أن صاحبها الفردوس الرومي كان قد سار عنها إلى بلاد الروم، ورتب بها شحنة، وكان الفردوس مسيئاً إلى أهلها، وإلى جنده أيضاً، حتى إنه حبس ابنه، فاتفق ابنة والشحنة على تسليم البلد إلى سليمان بن قتلمش، وكاتبوه يستدعونه".
 

وقد وجد سليمان الفرصة سانحة لضم هذه المدينة الاستراتيجية الكبيرة على الساحل الشامي، وكانت خطته تتلخص في محاصرة المدينة برًا وبحرًا "حتى وصل إليها للموعد … وأخذ البلد في شعبان، فقاتله أهل البلد، فهزمهم مرة بعد أخرى .. تسلم القلعة المعروفة بالقسيان، وأخذ من الأموال ما يجاوز الإحصاء. ولما ملك سليمان أنطاكية أرسل إلى السلطان ملكشاه (السلجوقي) يبشره بذلك، وينسب هذا الفتح إليه؛ لأنه من أهله، وممن يتولى طاعته، فأظهر ملكشاه البشارة به، وهنأه الناس".
 

كان السلطان ملكشاه في إيران يُراقب تحركات سليمان ونشاطه في آسيا الصغرى عن بعد، ورأى أن يعينه حاكماً على سلاجقة الروم بعدما تمكن من ضمَّ قونية وآقسرا وقيصرية وتوابعها، وفي الحقيقة استطاع سليمان أن يضع أساس سلطنة سلاجقة الروم، وأن يجعل من مدينة نيقية عاصمة لها.
 

لكن ما لبث أن قُتل سليمان بن قتلمش على يد تُتش بن ألب أرسلان سنة 479هـ بعد فشل حصاره على مدينة حلب التي أراد أن يضمها لدولته الناشئة، وقد تولى بعده ولده قلج أرسلان الأول الذي شهد عهده بداية الحملات الصليبية سنة 491هـ واستطاع أن يسحق حملة العامة وبعض حملات الأمراء ويُوقف من تدفقها إلى بلاد الشام رغم انتصار الصليبيين عليه في حملة الأمراء، وبحلول العام 495هـ كانت الحملات الصليبية قد يئست – مرحليًا – من الوصول إلى بلاد الشام عن طريق آسيا الصغرى نظرًا لجهاد قلج أرسلان ومنعهم من عبور أراضيه بالاتحاد مع الأتراك الدانشمانديين الذين كانت لهم دولة متمركزة في الوسط الشرقي لآسيا الصغرى.
 

بلغت دولة سلاجقة الروم أوجها في عهد السلطان قلج أرسلان الثاني (551 – 588هـ) والذي استطاع القضاء على دولة الدنشمانيين ومقاومة الصليبيين وتكبيدهم خسائر فادحة جعلتهم يعرضون عن اتخاذ آسيا الصغرى طريقًا لهم بالبحر المتوسط. بعد وفاة قلج أرسلان الثاني في شعبان سنة 588هـ قُسمت المملكة بعده بين أبناءه الإثنا عشر مما أدى إلى إضعافها أمام الإمبراطورية البيزنطية من جديد، لكن سرعان ما أعاد ولده غياث الدين كيخسرو الأول (588-592هـ) توحيد المملكة؛ لتحيا دولة سلاجقة الروم مجدًا جديداً ومرحليًا يظهر بصورة واضحة في عهد كل من ولده عز الدين كيكاوس (608 – 616هـ) ثم حفيده علاء الدين كيقباذ (616 – 634هـ).
 

لكن ما لبثت دولة سلاجقة الروم في الدخول في مرحلة السقوط أمام جحافل المغول القادمين من الشرق مع فقدان بعض المناطق في ولاية غياث الدين كيخسرو الثاني بن كيقباذ بعد سنة 635هـ، ثم توالت الهزائم أمام المغول في ولاية عز الدين كيكاؤس الثاني بن كيخسرو الثاني في معركة أنقرة سنة 641هـ.
 

وبحلول عام 646هـ قسّم المغول دولة سلاجقة الروم بين الأخوين عز الدين كيكاؤس الثاني بحيث يكون له "قونية واقسرا وأنقرة و إنطاكية وباقي الولايات الغربية". ولأخيه ركن الدين قلج أرسلان الرابع "قيسارية وسيواس وملطية وارزنكان وارزن الروم وغيرها من الولايات الشرقية". وكان لهما أخ صغير هو علاء الدين كيقباذ الثاني أقطعا له "من الأملاك الخاصة ما يكفيه".
 

وأخذت مناطق نفوذ سلاجقة الروم تنسلخ حتى لم يتبقَ إلا أنطاكية وما حولها، ثم وضعوا أنفسهم رسميًا تحت حكم دولة المغول الإيلخانية سنة 678هـ، إلا أن الأمر لم يدم طويلاً حتى حوّل الإيلخانيون الإقليم إلى ولاية خاصة بهم منذ عام 704هـ، وكان العثمانيون الذين أقطعهم سلاجقة الروم منذ الثلث الأول من القرن السابع الهجري مناطق التماس مع العدو البيزنطي في الغرب قد بدأوا في إرث الجانب الغربي من دولة سلاجقة الروم منذ عام 700هـ، ومع مرور الزمن تمكن العثمانيون من توحيد آسيا الصغرى، والانطلاق نحو القارة الأوربية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.