شعار قسم مدونات

إرث ماما

blogs - mother

اليوم وُظِفَت عاملة نظافة جديدة في المكتب الذي أعمل فيه، وجدت لها روحًا مرحة وخجلة في الوقت ذاته لشعورها بفرق بين أنماط التفكير والحيوات -هي من قال ذلك- فأخبرتها ضاحكة "أنتِ مثل ماما تمامًا، تخرجتُما من ذات التخصص وكلاكما ربات منازل كادحات لا عيب في ذلك فلا داعي لهذا الشعور أبدًا".
 

سألتني العديد من الأسئلة الخاصة بعملها الجديد "أين أضع الممسحة؟ كيف أزيل الأوساخ العالقة بشدة على الجدران دون أن أخدش جيرها الأبيض؟ لم أستطع إزالة هذه البقعة، برأيكِ أي منظفٍ استخدمه ليكون فعّالًا معها؟ لا أعلم كيف أتعامل مع الكراسي الجلدية، أخاف أن أثقبها دون قصد؟ لا أستطيع الوصول إلى المناطق العليا من الجدران، ماذا أفعل؟"
 

ماما وإن أردتُ التحرر وبشدة من نمط حياتها، فنمط حياتها هو من صنعني من لا شيء ومن سيجعل مني ماما لها نمطُ حياتها الخاص.

حمسني حماسها لعملها الجديد وبدأت أجيب على أسئلتها المتفرقة بإجاباتٍ عدة، فوجئت بأن كلها تحمل ذات البداية! أدركت أن أبدأ كل إجابة بـ"ماما تفعل.. ماما تقول.. ماما دائمًا تنصح بـ.. ماما.. ماما.." ذهلت باكتشاف تأثير ماما عليّ، وأنا التي دائمًا تردد "لا أريد أن أكون ماما كماما خاصتي!"

لن أعيش ثلاثينيات عمري كما هي تعيش الآن، لن أكد وأكدح فقط في الأعمال المنزلية دون أنتظر شكرًا أو أترك إرثًا.. لن أنجب أطفالًا ربما يكونوا جاحدين أو خامديان لا هدف لهم ولا غاية من الحياة، لن أجعل نفسي ينقطع وراء احتياجاتهم الغبية واللامُتناهية، لن أضيع موهبتي هباءً منثورًا فقط لحماية أطفالي! "ماما كانت ترسم بمهارة في فترةٍ ما". لن أهمل شَعري وأنا أهتم بشعر بناتي كي يزداد طوله ثم ما أن يصلن إلى مُراهقتهن الغبية سأسمعهن يَقُلن "أحب الشعر القصير، سأقصه إلى أذنيّ".

دائمًا أقول أن الأمومة -إن كانت غريزة- فأسعى لأوجهها لناحية أخرى لا علاقة لها بإنجاب الأطفال، الذين سيصبحون كأخوتي! قطعت وعودًا كثيرة، جهرت ببعضها وبعضها ظل حبيس نفسي، كررت مرارًا وتكرارًا بأني لن أصبح كأمي -ولا أقصد بذلك تقليلًا أو إهانة- لكن وبعد إجاباتي المتتالية اليوم لأسئلة العاملة، وجدت أنني بلا ماما لن أكون متواجدة في أي لحظة.

لن أمتلك أي إجاباتٍ أو أفكارٍ فورية أو طرقٍ للعيش دون وجود منفذٍ يُدعى ماما، عثرتُ على ماما -التي كنت لا أريد أن أكونها- بداخلي، تحيى وتجوبُ في عقلي وتمسك بيدي لترشدني لأماكن الأشياء وسُبل العيش، ماما وإن أردتُ التحرر وبشدة من نمط حياتها، فنمط حياتها هو من صنعني من لا شيء ومن سيجعل مني ماما لها نمطُ حياتها الخاص.

أعتقدت في غرور أنني سوف أترك إرثًا مختلفًا عنها، أبدًا لن يكون كإرث ماما، ظنًا مني بأنها لم تترك واحدًا في الأساس، بإجابات اليوم وجدت أنني إرثها الذي تواجه بهِ مصاعب العالم الشاقة كل صباح، جهلًا مني، ظننت أن إرثي سيكون مختلفًا.

لكن إرثي سيكون خاصًا لا مختلفًا، ربما سيكون أحمقًا كقناعاتي لكنه سيكون خاصًا فقط لا مُختلفًا كإرث ماما.

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان