شعار قسم مدونات

السيد حفتر 4: الحصاد المر لحكم العسكر

blogs - military
ويلات الانقلابات في أوروبا وأمريكا الاتينية
ويلات الانقلابات العسكرية ليست دوما عربية اللسان، فإن الإجرام لا جنسية له، وتجربة الجنرال فرانكو فرانشيسكو في إسبانيا (1931 – 1975) تدل على ذلك، فقد حكم هذا الدكتاتور بلاده بالحديد والنار وحوّل إسبانيا إلى سجن كبير، حتى إنه كان يعين كل أعضاء البرلمان الإسباني "الكارتز"، والذي أقامه كمجرد ديكور، حتى يقال عنه إنه يمارس الديمقراطية رغم أنه كمم الأفواه، وملأ السجون بالمعتقلين وكان بسبب تكوينه العسكري لا يطيق أن يسمع كلمة "لا" (تجربة إسبانيا في الإصلاح الديمقراطي، عبد النبي العكري).

وقد سادت الأحكام العرفية طوال حكمه، وكانت المحاكمات تقام أمام محاكم عسكرية، وقد قام فرانكو خلال حكمه بنفي أكثر من نصف مليون مواطن بعيدا عن الوطن الأم، واستمر الناس في موات، وامتلأت السجون بالأحرار، وقيل إن حكم فرانكو قام بإعدام أكثر من 250 ألف مواطن.

لا يجب أن ننسى مأساة حماة التي صنفت مأساة العصر بلا خلاف، حيث أبيدت مدينة بكاملها بأطفالها وأسرها.

لكن قبل وفاة الجنرال فرانكو بسنوات أوصى رجاله بإعادة إسبانيا إلى النظام الملكي، أي كما كانت قبل عام 1931، وقد اختار الجنرال فرانكو الأمير خوان كارلوس بن خوان بن آلفونسو الثالث عشر، أي حفيد آخر ملوك إسبانيا ليصبح ولياً للعرش، وقد أسر الجنرال فرانكو للأمير خوان؛ إنه يعلم جيدا أن قادة الجيش بإسبانيا ليست لديهم القدرة على تقديم شيء مفيد لبلادهم وقد يكونون عبئا على استقرار ووحدة البلاد وقال له إن الجنرالات بالجيش سوف يدخلون إسبانيا في حرب أهلية لأن كل جنرال يرى نفسه الأحق في السلطة (التحول الديمقراطي الاسباني (1976 – 1986)، غسـان البغدادي).

رفض الجنرالات أي إصلاح ديمقراطي حقيقي، وحاولوا العودة إلى الحكم من خلال محاولة انقلاب فاشلة، قام بها الحرس الوطني في فبراير 1981 باحتلال البرلمان (الكورتس) واختطاف الوزراء وعدد من النواب، كما تحركت الدبابات من عدة مدن لمحاصرة مدريد (الانتقال من الاستبداد إلى الديمقراطية – إسبانيا نموذجا، عصام يونس).

أما الجنرال كاستيلو برانكو في البرازيل (1964 – 1985 )، الذي جاء للحكم عبر انقلاب نفذه في مارس 1964، حيث أسقط الرئيس المنتخب للجمهورية البرازيلية جواو جولارت، وأنهى النظام الشرعي في البلاد، ودشن لتأسيس الديكتاتورية العسكرية في البرازيل بانقلاب برره العسكر وقتئذ بوجود تهديدات شيوعية (تجربة الجنرال كاستيلو برانكو في البرازيل 1964 – 1985).

توحدت أطياف كبيرة من القيادات السياسية تحت مطلب بسيط وسهل وهو انتخاب الرئيس البرازيلي انتخابا مباشرا. تراجعت المعارضة الداعمة للجيش عن دعمها، بعد أن تبينت لها العقلية الكارثية التي كان العسكر يدير بها الدولة، وتوحدت مع باقي الشعب البرزيلي والنقابات العمالية والتي كانت في الأصل معارضة للانقلاب، حتى رجال الأعمال والكنيسة الكاثوليكية، وقد كانوا من كبار مؤيدي الانقلاب رأوا أن بقاء الجيش في الحكم كارثة، ويدمر مصالح البرازيل ووحدته، ولابد من عودة العسكر إلى الثكنات (التحول الديمقراطي في أمريكا اللاتينية حالة البرازيل، د. مصطفى صايـح).

انتهاك حرمة الإنسان في ظل العساكر- القتل الجماعي:
لم يلق إنسان من الإهانة والاضطهاد مثل ما لقي الإنسان في ظل الأحكام العسكرية، إن الأرقام التي تتحدث عنها المنظمات والتي يعرفها القاصي والداني، تجعلنا كشعوب عانت الأمرَّين نقف وقفة رجل واحد في كل الأطماع الانقلابية والتسلطية التي تسكن العسكر حينما يحكم، في العراق أباد النظام العسكري البعثي 5 آلاف كردي خلال العشر الدقائق الأولى في مواجهة حلبجه، وتضاعف العدد بعد ذلك ليصل 128 ألف كردي في حرب الانفصال مع أعداد أخرى مفقودة لا تنتهي.

البلدان العربية من شرقها إلى غربها تعسكرت فيها السياسة، وصارت ميادينها مسرحا للتنفيس عن رغبات الضباط غير المنضبطة.

ولا يجب أن ننسى مأساة حماة التي صنفت مأساة العصر بلا خلاف، حيث أبيدت مدينة بكاملها بأطفالها وأسرها، وقد تجاوز عدد من قتل في تلك الجريمة البشعة عشرات الآلاف، وقد استمرت أكثر من عشرين يوما، وقد تلتها جرائم أخرى مماثلة، نتيجة الانقلاب والإرهاب، في مصر وليبيا والجزائر وموريتانيا، ففي مصر لا تسل عن جرائم الانقلابيين التي وصلت إلى أنه "في سنتين ونصف من حكم ديكتاتور مصر "السيسي" قُتل 7000 وسُجن 50 ألفا، مما يعني بأن متوسط جرائم الانقلاب يوميا قتل 17 مواطنا، وإصابة 72 مواطنا، واعتقال 60 مواطنا" (السجل الأسود كتاب يوثق للجرائم الانقلابية في مصر)، وفي ليبيا لا يمكن أن ننسى شهداء بوسليم الذين وصلوا إلى 1200 نفس زكية، ولا يزال العدد يتضاعف قتلا وتشريدا من لدن مدمني الانقلابات العسكرية، بسبب غياب السياسة والأطماع العسكرية وتدخل الجيش في غير صلاحياته، وحتى موريتانيا البلد المسالم وصلت التصفيات فيها إلى 502 إنسان بين عامي 1987و 1991م (عبد الإله لقزيز، وآخرين، الجيش والسياسة والسلطة في الوطن العربي. ص111. مركز دراسات الوحدة العربية. ط1، 2002م).

إن هذه الجرائم غيض من فيض، وهي رؤوس أقلام فقط تبين لماذا الشعوب ترفض حكم العسكر، وهذه المحاور الثلاثة تحتها محاور كثيرة أفسدها العسكر بدءا بالتعليم وليس انتهاء بالصحة.

الحصاد المر:
هذه البلدان العربية من شرقها إلى غربها تعسكرت فيها السياسة، وصارت ميادينها مسرحا للتنفيس عن رغبات الضباط غير المنضبطة، وقد نشأ عن العسكرة والتسييس المتبادل ضريبة مؤلمة تشمل جميع هذه البلدان، وتلك الضريبة كما رصدها أحد الباحثين (محمد سالم محمدو، الجيش الموريتاني: أصابع على الزناد وقدم بالسياسة. مرجع سابق) في دراسة خاصة عن بلده فإنها تصدق على جميع البلدان، وتتمثل الضريبة في الآتي:

1) ارتباك مسار التنمية الذي يتطلب الاستقرار، وهو ما لا توفره أجواء الانقلابات والتنافس بين الضباط الطامحين، إضافة إلى غياب خطط استراتيجية للتنمية يديرها خبراء أكفاء.

2) استنزاف طاقات الجيش؛ حيث أفقدت الانقلابات العسكرية وعمليات التصفية، المؤسسة العسكرية المئات من أبنائها إما عبر القتل أو الفصل التعسفي.

3) ضرب التراتبية العسكرية وذلك عبر المكافآت والترقيات غير المعيارية التي ينالها الضباط الانقلابيون ومقربوهم مما يزيد من الخلافات والأحقاد الداخلية في المؤسسة العسكرية.

4) الاهتمام الدولي بالجيش ليصبح بذلك عنصرًا مهمًا في المعادلة الإقليمية، ولقد كان للدول الغربية بشكل خاص دور أساسي في تنفيذ وترتيب الانقلابات العسكرية في البلدان المبتلاة بهذه العاهة المزمنة.

5) الفساد المالي وتداخل العلاقات بين المدني والسياسي، وتحول العسكري إلى مستثمر خصوصي ينافس المواطنين.

6) تراجع المكانة السياسية لهذه البلدان والانكفاء على الشأن الداخلي الذي يضيف مع كل انقلاب حلقة تعقيدا جديدا، وما حالة مصر التي كانت أم الدنيا عنا ببعيد.
لهذا يجب أن ترفض الشعوب حكم العسكر…

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.