شعار قسم مدونات

أسماء البلتاجي ومأساة العهد الإخواني

blogs - asmaa
أسماء البلتاجي.. ماذا يعني هذا الاسم..؟ أين يقف في تاريخية الحقوق.
الكفاح المدني .. الإنسان الحر. التعايش التكافلي. انتصار المبدأ. المواطن أولاً. الحق الدستوري..لا مِنّة السُلطة.

أسماء البلتاجي، كل ذلك؟ لا ليس ذلك فقط، وإنما هناك زاوية أخرى، ربما كانت السبب أن تُترك أسماء في زاوية خافتة لا يستدعيها التاريخ المعاصر، والعلوم الحيّة، ولا وسائط الإعلام، ولا منصات الحقوق والفكر التحرري، ولم تجد وروحها الطاهرة التي ضحت لحرية الإنسان في مصر معشار ما يُمنح للآخرين.

مشروع الفكرة التي فجرتها أسماء، بروحها الصافية، بإنسانيتها الجزلة، بترانيم يس والقرآن الحكيم قبل استشهادها كان يزعج صناع الإمبريالية الكبرى.

أسماء البلتاجي الإسلامية!
هل هذا خطاب المؤامرة الجديد لتبرير فشل الإسلاميين وأزمات فكرهم؟ كلّا، وإن كانت المؤامرة فعلٌ بشري موثّق بالتواتر منذ أن قتَل قابيل أخاه هابيل.

هناك نفسٌ بشرية مختبرة تحت المراقبة الإلهية، فتتآمر أحيانا وتعدل أحيانا. ولذلك المؤامرة جزء من سلوك السياسة، فليست القضية في إنكارها.

إنما مع أسماء هناك أركان أخرى للمسرح، هناك انحياز ضد الإنسان، لكنّه هنا انحياز ضد الفكرة المؤمنة وقدراتها بأن تَصيغ عقد الحياة الحقوقية بروح تتعبد الله بالعدالة والإحسان إلى خلقه.

ولكن أسماء أحيطت بحراك حقوقي علماني ويساري متعدد، ووقف معها صفوة من أبناء جيلها المصري والعربي والإنساني، وهذا صحيح ايضاً.

لكن مشروع الفكرة التي فجرتها أسماء، بروحها الصافية، بإنسانيتها الجزلة، بترانيم يس والقرآن الحكيم قبل استشهادها كان يزعج صناع الإمبريالية الكبرى، الممسكون بسوق الإعلام وصناعة التداول، وإن تمرد عليهم التحالف اليساري العالمي، الذي لم تنتجه الشيوعية، وإنما فكرة الحق الذي يعلو على قانون الغاب..

كان قانوناً يُستقذر لأنه يُنسب للأفارقة واليوم يُستحسن حين يبشر به البيت الأبيض، وتحت صليل تطرفهم .. خُدعت تيارات ومثقفين وتآمرت!

ظنوا أن الروح المؤمنة لا تُعطي كفاح وقيم حقوق، ولا بد من الإيمان بالعلمانية المطلقة، رغم أن بعض فصولها لا حدود لدمويته.

وخلف هذا الرداء تدثرت ثيوقراطية بشعة، تعاونت مع علمانية الغرب المستبد باسم الدين الصادق، الذي لا يُهدد مصالحهم.

كم كان هذا الدين كاذب وكم زور به التاريخ، وكم اختطفه السلاطين، وكفروا بعدل الراشدين. لو كانت أسماء منسوبة لخارج الفكر الإسلامي التقدمي، ربما كانت أيقونة لا تهدأ رياح شهادتها.

مدرسة عالمية وأممية إنسانية
وهي اليوم بروحها الإسلامية كذلك، لكنها تبحث عن المعتدلين من كل فكر. .لعلها تُبعث من جديد بسمو روحها وكفاحها، وتضامنها مع زملائها من كل التيارات، حتى استشهادها نبراسا من نور.. المجدُ لأسماء في كل أركان الثغور.

إن قضية أسماء اليوم وثورتها الفكرية، ليست تفضح ما فعله نظام السيسي فقط، ويكفي استعراض من قتلوا في المعتقلات.

وما هي مصر اليوم، أمام مصر الأمس التي كانت قدوة للتسامح والشراكة في 25 يناير، فتحولت إلى مقصلة للتصفيات حتى أتت على شركاء 30 يونيو، وإنما المأزق أيضا في التفكير الذي ثارت عليه أسماء سلوكيا في أزمة الاخوان، في صناعة الفكر لديهم، في العودة الى فهم المعارف الإنسانية، بعد الجمهورية الدعوية الواهمة، التي اخترقها نفط الخليج بثقافته، قبل أن يحرقها في رابعة.

ليست القضية هنا التشكيك في روح المناضلين من الإخوان شهداء أو سجناء في زنازين السيسي، ولا في أن القيم التربوية مادة تديّن من حق المجتمع المسلم أن يُبشر بها، حين تكون قائمة على معايير الاخلاق كما دسترها الامام الغزالي، وإنما في الدرس الذي لم يُفهم حتى الآن رغم محنة الإخوان.
ورغم الانقسامات بينهم، ورغم روح الشهداء المحفزة للكفاح، هو أن الحل الذي دعاهم إليه الإسلام منبوذا بينهم!

الإسلام هو الإسلام، لكن العقل الذي يقرأه والوعي الذي يفهمه، مختلف.. ودلالاته تعني أنه يُغطّي وعي الزمان والمكان.

الإسلام لم يدعهم لرفعه بأنه هو الحل، ولكن لخلق أسباب الاستخلاف لسعادة وإعمار الأوطان، والمضي في التجديد لتصل رسالة بلاغه للإنسانية.

وأوله فهم ما هي أصول التفكير السياسي بناء على الوطن لا على جمهورية الدعوة، والشعب لا شركاء التنظيم، والحلفاء عبر المصالح لا العواطف، وأن لا مدخل الى ذلك قبل نقض ركام من الازدواجية والتيه، وإدمان الملاعنة للخصوم، وملاعنة من لم يلعنهم.

متى يفقه أولئك رسالة أسماء والطليعة الشبابية، ومتى يعرفون أن هذا التموضع العاجز، لم ينقذ بريئاً، وأنهم قبل غيرهم بحاجة إلى مخرج يؤسس لعهد تفكير وتثقيف جديد، جديدٌ بالكلية.

الإسلام هو الإسلام، لكن العقل الذي يقرأه والوعي الذي يفهمه، مختلف.. ودلالاته تعني أنه يُغطّي وعي الزمان والمكان، ليس عبر خنقه في عقل قاصر يردد الإسلام هو الحل، ولكن من طريق تفكيك كل معضلة وتأسيس المسار الوطني لصناعة العهد التقدمي لحياة الإنسان في مصر وكل مكان.

وهو عهد يحتاج إلى وقف إطلاق النار من الخصوم الزبانية، وإطلاق الأبرياء إلى بيوتهم، ثم إطلاق العقول لبناء الوعي الجديد وليكن لعشرات السنين.

بعد أن تترك منابر الوعاظ لتبليغ روحانيات الإسلام، لكن بلا تطفيف، ويُفصل الشأن السياسي كليا، وأوله ما كان سببا في نجاح تجربة تركيا، تأملوا فيها مليا: التحول من حركة جماعة إلى حركة مجتمع.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.