شعار قسم مدونات

معركة اليقين

BLOGS - HUMANITY

إذا أردت أن تنشر معتقدا أو اتجاها معينا، قف ضده، حاربه، اغرس حربك المفترضة بأفكاره وبشكل غير مرئي، هذا ما يحدث، فعلى سبيل المثال لا الحصر: كتب وفديوهات محاضرين عن الإلحاد، تقوم بالعداء لفكر الإلحاد إلى حد ما، لكن في المقابل، هي تنشر أفكاراً تحاول أن تقنع بها قراءها، وتسوق لها بطبيعة الحال، ولديك أيضاً الماسونية، فهي بشكل أوبآخر، تكتب ضد الماسونيين، وبهذا الشكل تعطي انطباعاً بأنها على حق وما دونها باطل.

هنا حكمة بالغة، عندما قالوا: انظر في عيبك لا تنظر لعيب الآخرين، الحكمة لا تساهم في نشر معتقد الآخر، وتجعل نفسك مستودع لأفكاره دون أن تدري، هنا حدثت الإصابة بفعل الخواء الكامن بطلب الامتلاء، كيفما كان وأينما كان، ويُقال: تفقدوا أنفسكم جيداً عند التمسك بفكرة، ربما تكون صنمية بفعل الإصابة.
 

السؤال، لماذا هناك خواء وجعجعة؟ لأننا وصلنا لليقين دون مراحله الطبيعية في التشكل والتكوين، فما هو اليقين حول ذلك؟ التوقف عن البحث هو النهاية لكل شيء، أي نحن خلقنا أموات لا نبحث عن شيء إطلاقاً، وبعد ذلك وقعنا في الخواء اللامتناهي، لكن ما المراحل الطبيعية لليقين؟ هو الشك بدايةً بطبيعة الحال، أي أن الشك يقتصر بأسلوب فكري تكويني، وليس أمني، وبالنهاية الأمن مهما كان نوعه هو فكر، وليس من مبدأ الشعور بالتهديد أوالخطر فقط.
 

اليقين الحقيقي هو الموت، أي أن الحياة لا يقين صادق فيها بالبتات. إذاً لماذا نقبل بموتين ولا نبحث!

نحن نهوى القفز دوماً، كالوجبات الجاهزة والسريعة، تلك هي الصنمية، لذلك نشكر من يرجمنا، فقد صنع من نفسه وسيلة لترويج الفكر دون أن يدري، ونسامحه لهذا الرجم، نسامحه ليس تفضلاً عليه منا، بل كي لا نصبح نحن مستودعا لأفكاره الضارة ونشر معتقده.
 

اليقين وجود، والشك بعض من خواء، يطلب الامتلاء بما يستحق، إذاًً استحضار الوجود هو الوقوع في بعض من خواء ممتلئ، يزيد وينقص لأجل التوازن، وعلى هذه الحال، في مراحل تشكل اليقين، إن قمنا بدس شكوك مزيفة، وأخذت العملية بالمسير، ما هو حال اليقين وما هو حال الوجود عند اكتمال العملية في كل بيئة على حدا؟ أي أننا نحن أمام حروب اليقين المتعدد، حيث اليقين هنا نتيجته الفناء لكل شيء، أي وقوع في العدم، وكما يشابه المقولة الشعبية: "حارة كل مين يقينو إلو صار لازمنا باب لهيك حارة" وهنا يكمن بناء أوهدم الزمن، والزمن باب للمعرفة، وبعض المعرفة مزيفة.
 

ما الحل إذاً؟ عندما نجعل من المعرفة مستقر وليست مستودع، وهي تستقر أساساً عندما تمر بمراحل التشكل الطبيعية والحقيقية لها، شك، ثم شك، ثم شك، وبعد ذلك يقين، وما اليقين الحقيقي؟ هو الموت، أي أن الحياة لا يقين صادق فيها بالبتات. إذاً لماذا نقبل بموتين ولا نبحث، والسؤال كيف نمتلك اليقين ونحن من لحم ودم!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.