شعار قسم مدونات

تعددت السُبل لكِنه شر لا بُد منه

blogs-الزواج لا مفر

عهِدنا في مجتمعنا "الزواج سُنة الحياة" لكن تلك السُنة أخذت جانب التقليدية ولم تتوقف عن هذا فقط، بل صدرته لنا بصورة النخاسة المقننة، نعم هذا الوصف الذي أطلقه البعض على "زواج الصالونات" كما يصف أغلبنا. ويقول لله تعالى "يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ."
 

من وجهة نظر الكثيرين هذا الأسلوب التقليدي هو المناسب لنا كمجتمع شرقي، فيُفضله الكثير من شباب الوطن على الرغم من المشكلات بين الأزواج الين يرتبطون بارتباط من هذا النوع وصعوبة الحياة بينهم عن الزواج عن حب، ليس هذا فقط ويعتبرونه أفضل أنواع الزواج!
 

يرى الطبيب النفسي الانجليزي "توني ليك" في الزواج القائم علي الحب عندما يختفي الحب من الزواج تصبح الحياة مع النفس عذاباً وتصبح الحياة مع شريك العمر عذابًا

يوضح أحد الشباب وجهة نظره في تفضيل "زواج الصالونات" بدلًا من الزواج عن قصة حب التي تكون نسب تتويجها بالنجاح قليلة، وينتج عنها أذى نفسي أكبر من الجانب المادي؛ فبعض الرجال يكرّسون اللقاء الأول فتكوين انطباع عن الفتاة المرشحة لتكون الشريك الثاني في أكثر مشاريع الحياة تعقيدًا.. يُبرر هذا الرأي أن لا مانع أن يكون شيء في قلب الرجل لتلك الفتاة قبل أن يتقدم لها، لكن ليس دائما يكون الحال هكذا.. وإلا سيكون كل زوجين إما من نفس العائلة أو من نفس المجال.
 

وفي أغلب الأحيان يضع بعض الأساسيات المشتركة وبناء على هذا تساعده أمه أو أخته، وتبرير آخر أنه مناسب لبعض الفتيات اللواتي يتعاملن مع الجنس الآخر في نطاق محدود؛ فالفكرة ليست سوق جوراي لكن الموضوع يسعى لنقطة واحدة ألا وهي إيجاد مساحات مشتركة وطباع يجوز الاتفاق عليها، وهذا لا يتم إلا عن طريق الخِطبة.
 

وعلى النقيض الآخر شبهه مناهضيه بصفقة تجارية قائمة بين والد الفتاة والرجل المتقدم للزواج، والفائز هو من يستطيع الربح، وهذا ما يجعل الفتيات يفرون من فكرة الزواج التقليدي، ولكن هذا لا يعني أن "الزواج عن حب" دائمًا ينجح فهو ليس كقصص الحب الملتهبة التي نراها في الأفلام ، أو نقرأ عنها في الروايات ويصوره خيال الحالمين؛ فأحيانا كثيرة يكون الحب المسمار الأول في هذا الزواج.

صور الطبيب النفسي الإنجليزي "توني ليك" في أحد دراساته، مؤكدًا أن الزواج أمر مخيف خاصة إن كان نتاج ارتباط عاطفي عن حب قائم على وجود الإحساس بالأمان، وهذا ما يكون عكس زواج دونه. وجود الأمان في حد ذاته يجعل كل طرف يرعى الآخر ويحاول تماما إبعاده عن العزلة والقلق في اكتشاف شخصية الأخر.

ومن رأي توني ليك أنه في الزواج القائم علي الحب يجد كل طرف القدرة علي الانسجام مع نفسه ومع شريك حياته، وعندما يختفي الحب من الزواج تصبح الحياة مع النفس عذاباً وتصبح الحياة مع شريك العمر عذابًا، فيلجأ الرجل إلي الغرق في عمله أو التواجد معظم الوقت مع أصدقائه خارج البيت وتلجأ المرأة إلي قهر الأطفال أو إدمان المهدئات والسعي إلي النميمة مع صديقاتها!!
 

لم يحرم الله الحب لكنه شرّعه بحدود وضوابط، والمجتمع الآن قادته تطورات إلى أفكار تدعي المعاصرة والتجديد لكنها في مسار واحد هو ضياع ما تبقى لنا من الدين

فالزواج القائم علي الحب أنت تعيش ونوافذ أحاسيسك مفتوحة لاستقبال وإرسال رسائل المودة والتفاهم، ومع الزواج دون حب تصبح كل النوافذ مغلقة غير قادرة علي إرسال أو استقبال أية رسائل!! انتهت الدراسة النفسية للطبيب الإنجليزي توني ليك، ولكن هل صحيح الزواج بدون حب خطر بالفعل؟ هذا هو التأثير النفسي الذي تم تأكيد تبرير وجهة النظر المعاكسة.
 

لكن الله جلّ عُلاه يقول:
"وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ ۚ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَٰكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَن تَقُولُوا قَوْلًا مَّعْرُوفًا ۚ وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ)
يطلب الله من الرجل إذا وجد تجاه المرأة شئ من الإعجاب في نفسه عليه بالخطبة ولا يقام الزواج إلا أن يعلن كلِ منهم أنه ألفَ من الآخر ما يناسب بعض طبائعه.
 

وهذا لا يعني أن الله حرم الحب بين أي اثنين، لكنه شرّعه بحدود وضوابط لا يمكن تجاوزها، أو التغافل عنها، وعن الإثبات في السنة الرسول الكريم يقول "ما رأيت للمتحابين خيرا من النكاح" فالإسلام دين المودة والرحمة وهما بنود الحب هو فقط يُحرم أن يكون الشيء في غير موضعه؛ فالمجتمع الآن قادته تطورات إلى أفكار تدعي المعاصرة والتجديد، لكنها في مسار واحد هو ضياع ما تبقى لنا من الدين.

الزواج بالنهاية تجربة إنسانية إذا قامت على المعايير الربّانية وتقبل كل طرف مواضع النقص في نفسه تقبل النقص في الطرف الآخر وأتمها الله برضاه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.