شعار قسم مدونات

السلفية في المغرب والمصالحة مع الفساد (أصول الانحراف)

blogs - morocco
"الـمـغـراويّ" و"التّراكتور" وأصول الانحراف..

فلا تعجب!

مَسلك الرُّشد المتين في تحقيق الحقّ في الحُكم على المَذاهب والآراء تقفّر أصولها التي بَجَست فروعَها، فإنما المَنطق مغرف القلب، وإذا رسخت الأصول في القلوب جَرت على الألسنة فروعها بغير وعي في أحايين، ولهذا النّهج المُحْكَم عوائد جليلة القَدْر في باب الفِرق ومقالاتها سلف التنبيه على مُجملها في منشور مستقل.

وقد شَغَل الناسَ أيامنا هذه دعوة الشيخ السلفي المغراويّ أتباعه سرًا إلى التّصويت على "حزب التراكتور"، فأبث في المسألة بوارق أحسبها نافعةً والله المستعان:
واقعة المغراوي هذه ليست عارضةً بائنةً من اطّرادها، أوفلتةً منقطعة عن صدورها، بل هي نتيجةٌ معلومة سلفًا لمن خبر أصول "أدعياء السلفية" من المغراوية وأضرابهم، وأصول الانحراف في الباب عندهم أمور:
 

هذه النفسية المتوجسة من كل تغيير أقامت في قلوبهم تطامنًا إلى الواقع الفاسد، وخوفًا من الانتقال إلى شر منه "خوف الفتنة"، فاتخذ أعداء الدين هذه وُصلة إلى الإستخفاف بهم ترغيبًا وترهيبًا.

● الغَلط في تقرير مسألة "طاعة أولياء الأمور"، فقد مَسخُوا هذا الحكم الشرعي الرّشيد المُنضبط بضوابطه إلى صورة قبيحةٍ من المسكنة، أورثت مع قَرع النّوازل وخُصومة المُخالف ومكر الليل والنهار هيأةً نفسانيّة تركن إلى القوي الفاسد وتأنس بمُوادعته، فغَيّبوا ذلكم الحجاب القلبي القرآني المَنيع الذي أقامه بين الفساد وأهله: "لا تجد قومًا يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله".

فلا تعجب من صحبة المغراوي أرباب الفساد والتّحكم.

● الزلل في تقرير قضية "الفتنة"، فقد رُسّخ في أذهان "أدعياء السلفية" رَوْعٌ شديد من كل انتهاض إلى تغيير الوضع المستقر خوف الفتنة، فأورثهم ذلك انكماشًا عن تقحّم مجالات الإصلاح والمدافعة والصبر فيها، وقرروا في ذلك قاعدتهم البدعيّة بالاعتزال المُطلق للفتن، وأصل الانحراف في هذا الباب مركب -كغيره- من دوافع شرعية وسياسية ونفسية وغيرها.

هذه النفسية المتوجسة من كل تغيير أقامت في قلوبهم تطامنًا إلى الواقع الفاسد وخوفًا من الانتقال إلى شر منه "خوف الفتنة"، فاتخذ أعداء الدين هذه وُصلة إلى الإستخفاف بهم ترغيبًا وترهيبًا، ويشتد الأمر إذا علّقهم الفساد والتحكم بما يسمونه "مصلحة الدعوة"، وهي المكتسبات التي يسمح بها المستبدون بقدر موزون لتُستعمل فيما بعد في حينها.

فلا تعجب من دعوة المغراوي أتباعه التصويت على "التراكتور" خوف فتنةٍ تتسبب له في إغلاق دار القرآن، فالضامن لاستقرار الوضع معلوم، وهوالذي فتح دار القرآن.

● سوء فهم حديث "الفرقة الناجية"، وهو من صُور التحزّب الذي كنا زمنًا مديدًا نبذل فيه النصح دركًا منا لعواقبه الوبيلة، فإنه من الخطير جدًا أن يُزرع في وعي الشاب الحدث أن "السلفي" له صفة ربانيّة مميزة له عن باقي المسلمين فضلًا وسبقًا، ثم يُربط هذا التميز بجماعة أوجمعيّة يُحلّى المنتمي لها أوالموافق لها الجَاري على نهجها هذا التميّز والفضل، وكان مما نتج عن هذا تكوين وعي مُستقر عند الشباب تُحرّف معه المفاهيم الشرعية فلا تنصرف إلا إلى الجماعة المُتحزّبة، ولا تُصبغ إلا بصبغتها، فإذا قيل العالم فليس هو إلا عالم الجَماعة، وإذا قيل الإصلاح فليس هو إلا رؤية الجَماعة، وإذا قيل مصلحة الدعوة فليس هي إلا مصلحة دعوة الجماعة، وهكذا حتى يصير الشاب مقيدًا بأغلال "نحن/هم"، في تخريب مُحزنٍ للطاقات والكفاءات.
 

فلا تعجب من موادعة المغراوي أعداء الدين ما داموا فتحوا له دار القرآن، فمصلحة الدين ليست إلا مصلحة دار القرآن، وهل سمعت الكيفاوي طعن في دار القرآن؟، إنما طعن في الدين!

● الإخسار في ميزان الولاء والبراء، تمده بأمداد الغلوجهات:
-تقرير البدعة في باب الإصلاح.
-الفهم البدعي لقاعدة أهل العلم: "البدعة شر من المعصية".
-الموقف من المخالف.
 

مركزيّة الشيخ في حركية الدعوة، فلم تزل "الدعوة السلفية" منذ زمن مغلولةً يدُها إلى عنقها بسطوة الشّيخ القائد مقرّرًا فيما يحسن وما لا يحسن.

فإن العقل الاسلامي السوي ينبو فهمه عن رجل يدعي العلم والسنة يُقدّم جماعة من الخمارين أعداء الدين على إخوانه المصلحين وإن رأى انحرافهم، لكن الوعي السلفي الحزبي لا يصعب عليه تقبل ذلك، إذ تردد على مسامعه مر سنين النكير الشديد على "الحركيين" ورميهم بالبدعة ومخالفة منهج السلف، وجعل ذلك مرفوقًا بالكف عن أهل الفساد والاستبداد تكأة في ذلك على ما سلف ذكره، فأوجب هذا ترقيقًا لميزان الولاء والبراء في صورة مقابلة "الحركيين" بـ"أعداء الدين".

فلا تعجب إن قدم المغراوي الخمارين المفسدين على الصالحين المصلحين.

● التأصيل للجهل بالواقع، وهذا معلوم في تقريرات ظهرت مُنذ زمن في الصف السلفي، إذ المنهج الدعوي السلفي الذي لا ينبغي المحيد عنه هو "بث العلم" فحسب، ولا بأس بالانشغال بأحوال الأمة بقدر شرعي سلفي -هو قدر يحدده المستبدون-، فكانت الغفلةُ الشديدةُ عن مكر العدو وتربّصه وتنوع مسالكه وتدرج خطواته.

فلا تعجب من جهل المغراوي بخبث طويّة المُفسدين وأعداء الدين، وغفلته عن كون "مُكتسباته" من جملة المُهدّدين من تمكين المفسدين من رقاب العباد.

● مركزيّة الشيخ في حركية الدعوة، فلم تزل "الدعوة السلفية" منذ زمن مغلولةً يدُها إلى عنقها بسطوة الشّيخ القائد مقرّرًا فيما يحسن وما لا يحسن، وزادت عليها أدعياء السلفية من المغراويّة وغيرهم التعصب والموالاة والمعاداة على الرجال، وهم بمبعدةٍ فسيحةٍ عن عمل المؤسسة الجامع لشتات المواهب والعاصم من التقصير البشري.

فلا تعجب إذا أورد المغراوي أتباعه وجمعيته موارد الهلكة.

لعل هذا ما يحضرني ساعتي هذه على وجل من التطويل، والمحل وسيع للإخوة -سلمهم الله- تذييلًا ونقدًا.

والله من وراء المعونة..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.