كثيرة هي الأسباب التي أضفت إلى اندلاع الثورات العربية في عام 2011، ولكن من أهمها دون شك الفقر والعوز اللذان كانت تعاني منهما الطبقة متوسطة الدخل وما دونها، بالإضافة إلى الظلم والفساد وعدم تكافئ الفرص، جنباً إلى جنب حرمان العامة من أبسط حقوقهم المشروعة.
بعد خمس سنواتٍ، انتهت تضحيات الشباب الذين سالت دماؤهم، وانتهكت كرامتهم، إلى حروبٍ أهلية، أو إلى عودة نفس الأنظمة التي خرجت الشباب لقمعها ووضع حد لاستبدادها، كما هو الحال في مصر. في أغلب بلدان العالم التي قامت فيها الثورات على مرّ التاريخ، كانت الإيجابيات عادةً ما تطغى على سلبياتها، وذلك نابع من احترام الحكومات صاحبة السلطة، إرادة الشعوب الثائرة، وهنا يكمنُ جوهر الديمقراطية: حكم الشعب.
ولكن، في وطننا العربي ازدادت معاناة الشباب على الوضع الذي كان سائداً قبل عام 2011، خاصةً بعد انخفاض أسعار النفط إلى مستوياتٍ غير معهودة، في ظل اعتماد حكوماتنا على السياسات الرعوية الرخوة، إضافةً إلى انتشار التطرف والإرهاب، وغياب الاستقرار، وهو العامل الطارد للسياحة، كلّ تلك العوامل وأكثر فاقمت الأوضاع، وأضفت على مشهد المنطقة المزيد من الضبابية.
رغم نسبة الشباب المرتفعة في وطننا العربي، والتي تصنف من بين الأعلى في العالم، غير أن المسنين ما زالوا متمسكين في كرسي الحكم |
في الدول المتقدمة تعتبر طبقة الشباب نعمة، وهي التي تحدد مستقبل البلاد في السنوات المقبلة، لذلك يتم الاعتناء بها، وصرف ملايين الدولارات من أجلِّ تنميتها ومنحها تعليماً يواكب التطور الحاصل في مختلف العلوم والمعارف. إلا أن العديد من الحكومات العربية، ما تزال تعد تلك الطبقة نقمة عليها، بل عالة تتطلب صرف مبالغ طائلة من الميزانية السنوية، الأمر الذي سيقلص من عمليات الفساد وسرقة المال العام!
وفقاً لتقرير خاص أعدته صحيفة الإيكونوميست البريطانية، فإن في عام 2010 بلغت شريحة الشباب في الوطن العربية من 15 إلى 24 عاماً نسبة 20%، أي ما يعادل 46 مليوناً من مجموع السكان، وهذه النسبة ستواصل النمو في عام 2025.
إن 46 مليوناً يُعدّون ثروةً بشرية في العالم المتقدم، ورأينا ما فعلته ألمانيا اتجاه اللاجئين، بغية دمجهم في المجتمع والاستفادة من إمكاناتهم وطاقاتهم الجبارة، غير أن في بلادنا العربية لم يتم منحهم أبسط الحقوق المنوطة بالحكومة لتوفيرها للطبقة الشبابية المضطهدة، فأرقام البطالة في المنطقة مهولة ووصلت في بعض البلدان إلى 30 في المئة.
وحتى الشباب المحظوظين الذين يظفرون "بهبة" إكمال دراستهم الجامعية، فإن الأرقام بهذا الصدد تبعث الإحباط واليأس في نفس الوقت: كلما قضى الشاب العربي وقتاً أطول في الدراسة ويصل إلى درجات أعلى، كلما قلت فرصه في العثور على عمل.
في مصر على سبيل المثال، 34% من خريجي الجامعات عاطلين عن العمل في عام 2014، ونسبة 2% لدى الحاصلين على تعليم أقل من ابتدائي، وهذه من المفارقات العجيبة التي لا تحدث إلا في وطننا العربي! ناهيك عن مسألة التمييز بين الرجال والنساء بالعمل، ففي مصر تُشير الإحصائيات، إن نسبة 68% من النساء عاطلات عن العمل في عمر 15 إلى 25 عاماً! مقارنة بنسبة 33% بالنسبة للرجال.
كلّ هذه الأرقام المحبطة للطبقة الشبابية، تؤكد أنهم الأكثر تعاساً في العالم، مقارنةً بنظرائهم في بلادٍ مجاورة في الشرق أو الغرب، برغم شح الموارد، وعدم توافر الإرادة التي يتمتع بها شبابنا. مايزال شبابنا توقض مضجعه مسألة المعيشة، وهي القضية الأكثر حساسيةً بالنسبة إليهم، وهذا يدفع الكثير منهم إلى مزاولة عملين أو ثلاثة في نفس اليوم أو على مدار الأسبوع، الأمر الذي دون شك يستنزف قدراتهم، ويشلّ عملية إبداعهم، ويبقيهم يدورن في دائرةٍ مفرغة، حيث تدبير "لقمة العيش" هي السقف الأعلى لطموحاتهم.
الظلم الذي يتعرض له الشباب العربي إلا مؤشراً على أن مستقبلنا لا يشي بأيِّ إنفراجٍ للغيوم السوداء الملبدة في سماء منطقتنا العربية |
وثمة طبقةٌ مستمرة إلى الآن، في طرح تساؤلاتٍ من قبيل: ما هي المنابع الرئيسية للتطرف؟ وما هي العوامل التي دفعت شبابنا إلى ذلك الطريق الأشد ظلاماً؟ وكيف يقبل الشباب العرب باعتناق مثل تلك الأيدولوجيات السوداوية؟ وما هو المخرج من هذه المحنة التي حلّت بنا؟
حقيقةً، إن الجواب بسيط بحجم بساطة وبَلادة الأسئلة التي يتم طرحها في هذا الصدد، فعندما تمنح المجاميع المتطرفة الوظائف برواتبٍ مجزية، وتمنحهم بعضاً من الحقوق التي لم يتحصلوا عليها، وعندما تستغل أي المجاميع المتطرفة يئس وإحباط الشباب، وإعطاءهم فرصة الزواج بنساء "مسترقات!"، لم يعد هناك مكاناً لطرح مثل تلك الأسئلة الفضفاضة.
رغم نسبة الشباب المرتفعة في وطننا العربي، والتي تصنف من بين الأعلى في العالم، غير أن المسنين ما زالوا متمسكين في كرسي الحكم، ففي الجزائر يبلغ عمر عبدالعزيز بوتفليقة 79 عاماً، وفي السودان يبلغ سن عمر البشير 72 عاماً، أما في مصر فلم يتغير الأمر كثيراً، يبلغ المدعو "السيسي" 61 عاماً، مع مزيدٍ من الطغيان والتهميش والظلم والاستبداد عن سابقه، حسني مبارك، وكأن مقولة الشباب نقمة، والشيخوخة نعمة، هي السائدة في منطقتنا، على خلاف كل بلدان العالم.
يقول العلامة الراحل ابن خلدون "الظلم مؤذن بخراب العمران". وما الظلم الذي يتعرض له الشباب العربي إلا مؤشراً على أن مستقبلنا لا يشي بأيِّ إنفراجٍ للغيوم السوداء الملبدة في سماء منطقتنا العربية.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.