شعار قسم مدونات

ليس غمزاً من قناة أحد!

blogs - british
لو تحدثنا عن الملكيات في العالم لما تبادر للأذهان ملكية قبل العرش الملكي لبريطانيا العظمى، ولو تحدثنا عن برلمانات لما سبق مجلس العموم واللوردات البريطاني غيره.

ففي بلد العرش الذي لاتغيب عنه الشمس (اليوم تغيب الشمس عن المملكة المتحدة، بينما لاتغيب عن تاجها الذي لايزال ممتداً من نيوزيلاندا حتى كندا مروراً بأفريقيا..)، لاتغيب أيضاً الطرافة والإثارة عن تقاليده السياسية. فهو نظام سياسي مفعم بالتقليد، ومهووس بممارسة تاريخه، ومن الأمور المثيرة هو طرافة العلاقة بين الملكية والبرلمان.

يوم افتتاح الدولة أو الدورة البرلمانية الجديدة (The State Opening of Parliament) يكون عادةً بعد الانتخابات العامة بأيام قليلة.

كثيرون هم الذين يعلمون أن البرلمان البريطاني يتألف من مجلس النواب ومجلس اللوردات، وقليل منهم الذي يعلم أن البرلمان يتألف بالحقيقة من المجلسين مع الملكة، فالبرلمان له ثلاثة مكونات: مجلس النواب (House of Commons)، ومجلس اللوردات (House of Lords)، والملك أو الملكة (Monarchy).

ورغم أن البرلمان في بريطانيا لايسمى برلماناً دون الملكة، فإن هذه المكونات الثلاثة لاتجتمع في الأحوال الطبيعية إلا مرة واحدة كل أربع سنوات، وهي يوم افتتاح البرلمان الجديد بعد الانتخابات العامة فيما يسمى رسمياً بـ (State Opening).

يوم افتتاح الدولة أو الدورة البرلمانية الجديدة (The State Opening of Parliament) يكون عادةً بعد الانتخابات العامة بأيام قليلة، حيث تكون المكلة قد كلفت رئيس الأغلبية بتشكيل الحكومة. ومن المراسم الطريفة في هذا اليوم، أن الملكة تدخل مبنى البرلمان وتتوجه إلى قاعة العرش المخصصة في مجلس اللوردات وهي ترتدي الزي الإمبراطوري والتاج الملكي ومعها زوجها وسكان بيتها.

العجيب في بلد يعتبر برلمانه من أعرق البرلمانات في العالم، ويمارس السياسة بمنتهى القيم العلمانية، لكنه يعشق التقاليد.

يتقدم شخص من مجلس اللوردات يسمونه الـ (Black Rod) أي الصولجان الأسود، وهو موظف كبير مسؤول عن قضايا إدارية ومراسمية داخل المجلس، له ملابس رسمية تنتمي لطبقة النبلاء في العصور الوسطى، ويحمل بيده صولجاناً أسوداً (وهو عصا معدنية كان يحملها ذوو السلطة قديماً). يُطلب من هذا الموظف الذهاب واستدعاء أعضاء مجلس النواب الجدد، وعندما يصل إلى القاعة، يغلق النواب الأبواب في وجه هذا الموظف "النبيل" في رمزية تدل على استقلالية مجلس النواب عن الملكية. هذا التقليد قادم من سنوات الحرب الأهلية الإنكليزية التي وقعت بين البرلمانيين والملكيين بين عامي 1642-1651 وانتهت بفوز البرلمانيين وإعدام الملك تشارلز الأول.

بعد إغلاق النواب الباب في وجه "البلاك رود"، يضرب هذا الأخير على الباب ثلاثة مرات بالصولجان، فيُفتح الباب ويخرج النواب خلفه وخلف رئيس مجلسهم باتجاه قاعة العرش التي تجلس فيها الملكة، ويجلس النواب في مكان مقابل للعرش الملكي ليستمعوا لخطاب الملكة الذي كتبته لها الحكومة المكلفة إذ يرسم الخطوط العامة لسياسة حكومة صاحبة الجلالة.

والعجيب في بلد يعتبر برلمانه من أعرق البرلمانات في العالم، ويمارس السياسة بمنتهى القيم العلمانية، لكنه يعشق التقاليد، لاتبدأ أي جلسة من جلسات برلمانه قبل ممارسة طقوس الصلاة المستمدة من الديانة المسيحية، يقودها في مجلس النواب رئيس المجلس (The Speaker) وفي مجلس اللوردات أسقف مختص (Lord Spiritual). والصلاة تعتبر من المهام اليومية التي يقوم بها المجلسان.
ليس غمزاً من قناة أحد!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.