إن المتابع لواقعنا في المغرب أو المشرق العربيين، يلحظ حركة اقتصادية وسياسية وثقافية، تختلف من بلد لآخر، تعلن فيها الدول والحكومات عن إنجازات متنوعة، كأكبر مسجد وأكبر سد وأكبر مصنع وأطول برج، مع تغييب شبه كلي للاهتمام بالإنسان، وإن أحوج ما نحتاجه في وطننا العربي ليس الاستثمار في الحجر بقدر الاستثمار في البشر، وعن هذا يقول مالك بن نبي: "ليس الاقتصاد قضية بنك وتشييد مصانع، بل هو قبل ذلك تشييد الإنسان وإنشاء سلوكه الجديد أمام كل المشكلات".
الاستثمار البشري هو صمام الأمان، لمعالجة وتجنب الوقوع في الأزمات الاقتصادية والسياسية والثقافية. |
إنه الإنسان، أهم مورد للمنظمات والمجتمعات والدول، ولا شك أن الدارس والباحث لهذا الموضوع، يلاحظ أن هذا المفهوم وارد في سيرة الرسول- صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام. فالنبي-عليه الصلاة والسلام- لم يبن جسورا، ولا مصانع كبرى، ولا مساجد رائعة الهندسة مُنَمَّقَة البُنْيَان، وإنما بنى رجالا أكملوا الرسالة من بعده، ففتحوا الدنيا بأخلاقهم قبل أسلحتهم، وأقاموا فيها العدل والعمران بعد أن كانت مليئة بالظلم والخراب والطغيان.
وكما ورد في الأثر أن الصحابة – رضوان الله عليهم – كانوا مجتمعين في أحد البيوت، فقال الأول: "لوأن لي مثل هذا البيت مالا لأنفقته في سبيل الله"، وقال الثاني: "لوأن لي مثل هذا البيت سلاحا لفتحت به البلدان"، وقال عمر بن الخطاب – رضي الله عنه -: "لوأن لي مثل هذا البيت رجالا كأبي بكر لفتحت العالم".
إن الاهتمام بالمورد البشري، بتعليم وتكوين وتربية الإنسان الواثق بالله، والواثق من قدراه وطاقاته وامكانياته التي وهبها الله اياها، والواعي بواقعه وما يجري حوله، لهو أعظم استثمار لكل منظمة تريد أن تنافس نظيراتها، ولكل دولة تريد أن تحفظ استقرارها ولكل مجتمع أوأمة تبغي التقدم ونفض غبار التخلف واللحاق بركب الأمم الصانعة للتاريخ والبَانِية للحضارة.
كما أن هذا الاستثمار هو صمام الأمان، لمعالجة وتجنب الوقوع في الأزمات الاقتصادية والسياسية والثقافية، كانخفاض سعر البترول، والانقلابات العسكرية، أو الثورات الاجتماعية، أوالمؤامرات الخارجية.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.