شعار قسم مدونات

لماذا كازاخستان محطة الهبوط لرواد الفضاء؟

blogs-Soyuz2
في محطة الفضاء الدولية وفي الشهر الخامس من عام ٢٠٠٣ يتواجد ثلاث رواد فضاء هم "كينيث باورسوكس" و"نيكولاي بودارين" و"دونالد بيتيت" من البعثة السادسة بانتظار العودة لكوكب الأرض.
 

ولفهم موضوع العودة للأرض تحتاج معرفة الآتي:
الطريقة الأساسية للذهاب أو العودة من محطة الفضاء هي باستخدام المكوكات الفضائية الأمريكية "التي تقلع كالصاروخ وتهبط كالطائرة"، ولكل بعثة تذهب للمحطة هناك رحلة مجدولة للعودة، فعند وصول الرحلة التالية يتم استخدام مكوك الفضاء الخاص بهذه البعثة الجديدة وتصعد البعثة السابقة به وتعود إلى الارض "وليس هذا الحال دوماً".
 

هنالك كبسولة هروب دائماً ملتصقة بمحطة الفضاء الدولية تدعى "سويوز" "Soyuz"، ويتم استخدامها في حالة واحدة فقط وهي الهروب، وتعتبر كقارب نجاة في حالة الطوارئ.

وفي إحدى رحلات العودة إلى الأرض من عام ٢٠٠٣ الأول من فبراير، وتحديداً الرحلة العلمية "STS-107" بالمكوك الفضائي "كولمبيا"، وعلى متنه سبعة رواد فضاء عائدون من محطة الفضاء، وكالرحلات السابقة يتم اختراق الغلاف الجوي مع بعض الضجيج والاهتزاز وهكذا إلى الهبوط في المدرج كطائرة، ولكن في هذه الرحلة لم يحدث المتوقع، فعند إعادة دخول الغلاف الجوي واختراقه بدأت الحرارة تزيد في السطح السفلي من المكوك ثم أجنحته، ولكن المفاجأة أنها ارتفعت أعلى بكثير عن المعتاد والمتوقع، فتفككت أجنحته، ثم تفكك هيكل المكوك الفضائي "كولومبيا" فوق سماء ولاية "تكساس"، محترق ومتفكك، جميع من بالمكوك مات.
 

أصبحت غرفة التحكم "بهيوستن" بحالة صدمة، تم إعطاء أمر "أغلقوا الأبواب" وهذا الأمر يعلن أن هذه الغرفة مسرح جريمة، وتم إغلاق المخارج وقطع الاتصال، وبدء تنفيذ برتوكولات الطوارئ، وجمع كافة البيانات لهذه الرحلة، ترتب على هذا الحادث إيقاف برنامج المكوكات الفضائي.
 

وبعد شهرين فقط من وقوع هذا الحادثة المأساوية، تحديداً بالشهر الخامس من عام ٢٠٠٣، كان يتواجد رواد الفضاء الثلاثة من البعثة السادسة على متن محطة الفضاء، وحان وقت العودة إلى الأرض، وبالحقيقة تم تمديد إقامتهم بالمحطة الدولية لمدة شهرين إضافية عن الثلاث أشهر المحددة مسبقاً، وذلك بسبب تأخير البعثة السابعة لعدم وجود مكوك لنقلهم للمحطة، والآن لا يوجد طريق للعودة إلى الارض، فأنت تعرف أن هنالك طريقة واحدة وهي المكوك الفضائي وهو السبيل الوحيد.

ولكن سأخبرك بهذا، هنالك كبسولة هروب دائماً ملتصقة بمحطة الفضاء الدولية تدعى "سويوز" "Soyuz"، ويتم استخدامها في حالة واحدة فقط وهي الهروب، وتعتبر كقارب نجاة في حالة الطوارئ، فبعد إيقاف برنامج المكوك الفضائي كان هذا السبيل الوحيد للعودة إلى الأرض، ولكن لا يستطيعون رواد البعثة السادسة استخدامها فهم لا يستطيعون مغادرة محطة الفضاء الدولية، ولا يوجد بديل لهم لقيادة المحطة الدولية، فهم مجبورون على انتظار البعثة السابعة وتسليمهم القيادة ثم المغادرة.

وفي وقت انتظاراً لبعثة السادسة في محطة الفضاء الدولية كان فريق البعثة السابعة بالأرض يتوجهون إلى مدينة "ستار سيتي" بروسيا، وهي مدينة خاصة لوكالة الفضاء الروسية "روسكوسموس"،تم تدريب العضوين التابعين للبعثة السابعة على المركبة الفضائي الروسية "سويوز" "Soyuz"، وهي عبارة عن مركبة روسية تعود بدايتها لعام ١٩٦٧ ميلادية، وتتكون من ثلاث وحدات، اثنان منها يستخدم مرة واحدة فقط، ويتم التخلص منهم في الغلاف الجوي بأمان، ويتبقى الوحدة المدارية "الكبسولة" هي التي يكون بها رواد الفضاء وهي الوحدة الأهم، وتتسع لثلاثة مقاعد ولثلاثة رواد فقط.
 

بعد إتمام تدريب البعثة السابعة حان وقت صعودهم بالمركبة الفضائية "سويوز" والانطلاق يكون بواسطة الصاروخ الحامل "Soyuz-FG"، وفي أعلى الصاروخ الحامل توجد المركبة الفضائية "سويوز"، وبدأ العد التنازلي في مركز "بايكونور" الفضائي في سهول دولة كازاخستان الواسعة، انطلق الصاروخ حامل البعثة السابعة بتاريخ ٢٥ أبريل ٢٠٠٣، متجه نحو محطة الفضاء الدولية وبانتظارهم البعثة السادسة، وبتاريخ ٢٨ من أبريل كان التحام ناجح بين محطة الفضاء الدولية ومركبة الفضاء "سويوز" بقيادة البعثة السابعة .
 

بعد بوصول أعضاء البعثة السابعة ودخولهم المحطة وترحيب البعثة السادسة بهم بأجواء حميمية ومساعدتهم لنقل المعدات البحثية، والأهم من هذا كله هو تسليم قيادة محطة الفضاء الدولية إلى قائد البعثة السابعة، ويتم ذلك مع بعض التقاليد المتعارف عليها بين رواد الفضاء مثل تبادل الشارات، وألصق بعضها على حائط المحطة، وقرع الجرس، وتم تسليم القيادة.

وفي اليوم الرابع من الشهر الخامس لعام ٢٠٠٣ صعد الرواد الثلاثة للبعثة السادسة المركبة الروسية "سويوز" -الذي كان قارب نجاة- وأخبروا غرفة التحكم الروسية أنهم انفصلوا عن المحطة والآن عائدون إلى الأرض، وتم إعطائهم الضوء الأخضر لإعادة الدخول واختراق الغلاف الجوي والتوجه هذه المرة لكازاخستان والهبوط، وكانوا هم أول رائدين من الولايات المتحدة يستخدمون المركبة "سويوز" "الكبسولة" للهبوط بها، ثالثهم روسي الجنسية، وهو قائد المركبة "سويوز"، وكان الهدف كازاخستان محدد بدقة، وعلى الرواد الثلاثة متابعة التعليمات بالكتيب، ومتابعة التحدث مع غرفة التحكم الروسية للوصول، ولكن فجأة انقطع الاتصال بالأرض.

تواجد الجميع بالمناظير وطائرات الاستطلاع تعم الجو للبحث عنهم وتتنشر فرق وحدات البحث والإنقاذ، للأسف البعثة السادسة لا يوجد لها أثر، ومع البحث ومرور الوقت تم تلقي رسالة من هاتف الطوارئ في المركبة "سويوز"،وبعدها وجدت وحدة البحث والإنقاذ الكبسولة تبعد بانحراف يقدر قرابة الثلاث مئة ميل عن منطقة الهبوط المحددة مسبقاً، وجميع رواد الفضاء خارجها يلوحون لهم، تم إنقاذ الرواد وتم تقديم لهم الرعاية الصحية وجميعهم الثلاثة سالمين .
 

لماذا كازاخستان مركز الهبوط؟ لأن هنالك مركبة بعمر الستين سنة، الجميع يثق بها، ومركزها يقع بسهول كازاخستان.

وهذه هي بداية انتقال البعثات العلمية الخاصة بمحطة الفضاء الدولية للمركبة "سويوز"، وهي المركبة الوحيدة المتاحة والأكثر تفوقًا على جميع المركبات الفضائية الأخرى، وتعود ملكيتها للاتحاد السوفيتي سابقاً وروسيا حالياً، ومقر هبوط وإقلاع هذا المركبة في كازاخستان بإشراف عالمي تعاوني بين ناسا ووكالة الفضاء الروسية، ويستخدم مركز "بايكونور" لهذه المهمات، ويتميز أنه لا يتم استخدامه عسكرياً وهو أكبر وأول مركز بالعالم للإطلاق الفضائي، وتنطلق منه البعثات لمحطة الفضاء الدولية بال "سويوز" وبه قسم تطوير هذه المركبة.
 

لماذا كازاخستان مركز الهبوط؟ لأن هنالك مركبة بعمر الستين سنة، الجميع يثق بها، ومركزها يقع بسهول كازاخستان.
 

العودة:
عاد تشغيل برنامج المكوكات الفضائية الأمريكية للعمل بعد أكثر من سنتين من التوقف، حاولت ناسا إثبات كفاءته وقامت بنقل قرابة ٢١ بعثة للمحطة الدولية، ولكن هذا لم يستمر طويلاً إلى أن تم انهائه بشكل جذري وإحالته للتقاعد في عام ٢٠١١.
 

حاليا تستمر المركبة "سويوز" بنقل البعثات العلمية للمحطة وهو بشكل حصري ليومنا هذا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.