حتى لا يذهب البعض بعيدا عن الهدف؛ هناك فرق شاسع بين الدين والتديّن، فالأول وضع رباني يقود إلى السعادة والفلاح وصالح في كل زمان ومكان، أما الأخير فمن فعل البشر واكتسابه، وهي تعكس مدى استجابة الشخص بتعاليم الدين الإسلامي وانضباطه بضوابط الشريعة ومقاصدها.
ويختلف الأشخاص في مستوى الاستجابة والتمكّن والتعلّم، ويتأثر المرء ببيئته وعصره وثقافته وعاداته السابقة أو ما يطلق بالعرف، ومن هنا تصطدم الآراء والمقالات عند ظهور كل جديد على الساحة المعهودة لدى مجتمعه، ولا يوفّق إلا الخبير الراسخ والمحنّك البارع.
البعض ممن تظاهر بالتديّن أطلق هجمة شرسة على من استخدم التكنولوجيا والإنترنت، واتهم بعض من اسخدموها بالرياء وحب الظهور! |
فالعصر الذي نعيش فيه عصر التكنولوجيا التي دخلت جميع مجالات الحياة، في التعليم بتقنية المعلومات، وفي الطب وعالم المختبرات، وفي الاقتصاد ودنيا الناس، وفي الدعوة والإعلام والاتصالات، وبصورة نافعة قرّبت كل بعيد وسخّرت ما كان صعبا اومحالا في الأيام الغابرة والعصور الخالية.
أتذكر قبل عقد ونصف في عصر المواقع والشبكات دشّن بعض العلماء مواقع للدعوة والإعلام، والاشتشارات الفقهية والتواصل لطلابهم ومستفتيهم حول العالم، فهذا أيسر وأنفع للناس من التواصل عبر الجوال المكلّف أو القنوات او اللقاء المباشر.
لكنّ البعض ممن تظاهر بالتديّن كان ينكر الأمر، وأطلق هجمة شرسة على من استخدم التكنولوجيا والإنترنت، ويتّهم بأن العلامة الفهامة الفلاني يحب الظّهور أو الرياء، فهو مرائي وقع في المحظور عندهم، بل زعموا أنه تأثر بالحداثة أو التغريب، أو الابتداع على أقلّ تقدير، دأبهم كدأب من أنكر الوضوء ب"الحنفية" بدلا من "الطست" أو الاغتراف، والصور الفوتغرافية، وتنقيب البترول والطاقة والمطابع و هلم جرا.
وبعد عقدين من ذاك الزمن دشّن المنكرون مواقع لأنفسهم ولمؤسساتهم، وتراهم يتباهون بعدد الزوار والمتابعين، وشهرة مواقعهم وترتيبه محليا أو عالميا، وعدد مرات تحميل كتبهم ومقالاتهم، فحبذا لو اعتذروا أولا ثمّ أعلنوا أن إنكارهم الأول ناتج عن قصور من فهمهم للنصوص، ونابع عن مستوى علمهم وانطلاقا من التديّن العرفي لا عن الدين الرباني.
ما أفسد الدين والدنيا إلا أربعة: نصف فقيه ونصف متكلم ونصف طبيب ونصف نحوي. |
ومن العجب من يجري اليوم نفس المنوال ويجرم استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، ويشيطن المتفسبك من الناس ويطلق خطبا نارية فارغة المضمون، قفبل إطلاق الأحكام الأفضل تصور الشيء، فالتصور قبل التصديق فالمرء عدوّ لماجهل، فلو أخذ دورة في علم التكنولوجيا، وطالع التطبيقات النافعة لفيسبوك وغيره من وسائل التواصل لما أطلق الاقاويل، وأعطى كل تطبيق حقه في الإباحة والحرمة،بدلا من التعميم والإنكار المطلق.
في المقابل لو أتقن المنكرون علم الأصول والقواعد الفقهية لعرفوا الحقيقة وسلموا من الاضطرابات والمراجعات قبل فوات الآوان، فالتكنولوجيا من الوسائل ،والوسائل لها أحكام المقاصد، أما نفس الوسيلة فلا توصف بالحرمة أو الحل.
أما التقوّل بالابتداع فبعيد كل البعد ، لأنه لا يدخل في أمور الدنيا فالدنيا تتطور وسائلها وتتغير سبل العيش فيها، ولا إنكار في ذالك الأمر عند العالم الخبير، أما نصف العالم فقد أفسد الدين أوالدنيا، فكما قيل قديما "ما أفسد الدين والدنيا إلا أربعة: نصف فقيه ونصف متكلم ونصف طبيب ونصف نحوي" وما أكثرهم في مجتمعنا الذي يدعي كل امرئ أنه عالم دين أو مفتي زمانه.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.