شعار قسم مدونات

معركة العدس لن تغطي على 7 أكتوبر

الانتخابات في المغرب

كان من المفروض إعلان يوم 7 أكتوبر2016 عيدا وطنيا ولا مبالغة في الأمر، فهذا اليوم لا يقل في تأثيره عن 6 و18 نوفمبر لأنه يؤرخ للحظة التي انتصرت فيها الإرادة على الإدارة لأول مرة في تاريخ الانتخابات بالمغرب المستقل.

وكما يؤرخ عيدا المسيرة والاستقلال لانتصار إرادة الشعب على التسلط الخارجي، فسيرتبط 7 أكتوبر بانتصار هذه الإرادة على التسلط الداخلي، انتصار إرادة الشعب على إدارة الضبط (التحكم)، فهو  ليس حدثا عاديا يمكن أن يتكرر أكثر من مرة في تاريخ أي شعب، بل هي فجوة تفتح مرة واحدة وإذا لم يتم استغلالها واستثمارها فإنها تؤدي حتما إلى كارثة.

كما يؤرخ عيد المسيرة والاستقلال لانتصار إرادة الشعب على التسلط الخارجي، فسيرتبط 7 أكتوبر بانتصار هذه الإرادة على التسلط الداخلي

لأن اختلاف زمن الشعب عن زمن "الإدارة" يؤدي دائما إلى الصدام الحتمي الذي يصعب التنبؤ بمآلاته.. وفي محيطنا القريب والبعيد عبرة، وبشهادة كثير من الملاحظين فإن "الإدارة" تعاملت مع 7 أكتوبر كمعركة وجودية، ولذلك تم تسجيل ممارسات لم تعهد حتى في زمن الرصاص، حيث لم تضع اليد الخشنة للإدارة القفاز الحريري المعهود، بل مارست تدخلها بشكل مكشوف.. ولم تكتف بتحريك الخيوط من بعيد بل تحولت إلى لاعب مشارك في "المباراة" رغم أنه كان مفروضا ان تكتفي بدور الحكم.

إن أهمية نتيجة هذه المعركة تتجلى أساسا في السعي بداية للالتفاف على نتائجها.. ثم في محاولة التعتيم عليها. والالتفاف على نتائجها، حيث تحركت منذ بداية اتضاح معالم الخريطة السياسية، الأيادي الخفية لمحاولة الانقلاب على حكم صناديق الاقتراع، فتم تجييش "شلة" المحللين الذين يشتغلون بمنطق "ما يطلبه المستمعون"، فهؤلاء انشغلوا مبكرا بتقديم تبريرات وتخريجات "تدستر" خرق نصوص الدستور الصريحة، وتطرح سيناريوهات سوريالية.

بينما تجلت محاولة التعتيم على نتائج هذه المعركة غير المسبوقة في تاريخ الانتخابات المغربية على مدى ستة عقود، في تسخير بعض الأبواق للتقليل من "وزن" الإرادة الشعبية التي أسقطت مشروعا لا تخفى معالمه وغاياته. بل إن بعض الأقلام لم تتوان عن إطلاق أوصاف قدحية في حق جزء من الكتلة الناخبة بشكل أكد حجم المرارة التي تمخضت عنها صناديق الاقتراع، والتي لم يكن أحد يتوقعها، خاصة من ظنوا أنه في استطاعتهم طي صفحة وفتح أخرى.

أليس غريبا أن يتداول الاستوديو التحليلي في القناة الثانية في مصير حزب المصباح (العدالة والتنمية)  بعد "وفاة" ابن كيران ، بدل تقديم قراءة واعية في حقيقة ما جرى في تلك الليلة؟ أليس عيبا أن يصف أستاذ جامعي ورجل قانون المواطنين بأنهم "زبناء" لأنهم صوتوا لهذا الحزب وليس ذاك؟
أليس غريبا أن تجتهد جهات وأفراد في إجراء عمليات حسابية معقدة للبرهنة على أن نسبة المشاركة "المتدنية" تفرغ نتائج الانتخابات من أي تعبير سياسي، فقط من أجل مصادرة فرحة فصيل سياسي بنصره الواضح؟

وهل 43 في المائة نسبة متدنية، خاصة إذا استحضرنا الممارسات التي حرمت آلاف المواطنين من الإدلاء بأصواتهم إما بسبب إبعاد مراكز الاقتراع أو بفعل عدم استلام الإشعار الذي يحدد مكان التصويت، فضلا عن حرمان مغاربة العالم -وهم بالملايين- من حقهم هذا، لسبب رئيسي -غير معلن- وهو أنهم خارج السيطرة والتوجيه؟

على سبيل المقارنة..في آخر انتخابات لاختيار أعضاء البرلمان الأوروبي التي جرت سنة 2014، وفي ظل الصراع الذي يدور بين أنصار استمرار الاتحاد ودعاة تفكيكه، تراوحت نسبة المشاركة بين 13 في المائة و47 في المائة في 20 دولة عضو بالاتحاد ضمنها ألمانيا وفرنسا وهولندا والنمسا، ولم تتجاوز نسبة 50 في المائة سوى في ثماني دول منها إيرلندا واليونان ومالطا.

فهل تحدث أحد عن عدم أهلية ممثلي سلوفاكيا في البرلمان الأوروبي لأن نسبة المشاركة في هذا البلد لم تتعد 13 في المائة؟ وهل بادر أحد لتنصيب نفسه ناطقا باسم الـ 87 في المائة من المقاطعين؟

إن قنابل الدخان التي أطلقها البعض للتشويش على حدث 7 أكتوبر لم تغير من الواقع شيئا، حيث فرضت نتائج الاقتراع احترام نصوص الدستور حرفيا، ولم ينتج قصف الفصل 47 سوى مزيد من الحسرة في قلوب الذي كانوا يعتبرون الموعد الانتخابي لحظة إغلاق القوس الذي فتحه حراك 20 فبراير.. بل إن إصرار بعض الجهات على الاستمرار في التشبث بـ"أمل كاذب" يدفع إلى التساؤل حول منسوب الواقعية السياسية لدى من يعتبرون انفسهم صناع قرار.

فحتى قبل إعلان النتائج النهائية، تم الشروع في تسويق سيناريوهات عجيبة، فمن الحديث عن "التوسع" في تفسير الفصل 47 المشار إليه، بحيث يمكن إسناد رئاسة الحكومة إلى حزب آخر في حال عجز الحزب المتصدر عن تحصيل الاغلبية، إلى محاولة اختطاف رئاسة مجلس النواب مبكرا، إلى الحديث عن حكومة سيتم إسقاطها خلال سنة بملتمس رقابة يدعمه التجمع والحركة، إلى حكومة لن تعمر أكثر من ثلاث سنوات بإجراء انتخابات سابقة لأوانها تعيد تشكيل الخريطة السياسية.

كما تم الحديث عن حكومة "وحدة وطنية" هدفها الوحيد تعديل الدستور للتخلص من الفصل 47 وغيره من الإضافات التي جاء بها الربيع المغربي. إن هذا النوع من اللحظات الفارقة في تاريخ الأمم والشعوب، يكون عادة مفصليا وكاشفا.

مفصليا، لأنه يضع صانع القرار أمام المسؤولية التاريخية التي تفرضها معادلة : إما احترام إرادة الشعب أو الإبحار نحو المجهول، وقد اتضح مع الاسف أن المنتصرين للخيار الثاني كثيرون.. رغم "أقنعتهم" الديموقراطية .

كاشفا، لأنه أسقط آخر أوراق التوت عن تجار الشعارات وأصحاب اللافتات المضللة، فالديموقراطي الحقيقي هو الذي يرفع سماعة الهاتف مباشرة بعد اتضاح معالم الخريطة الانتخابية ليهنئ قيادة الحزب الفائز، بكل روح رياضية، لا الذي يشرع في الكولسة مبكرا ويعقد الاجتماعات السرية لنسج الدسائس تمهيدا للانقلاب على حكم صناديق الاقتراع.

الديموقراطي الحقيقي هومن يرفع سماعة الهاتف مباشرة بعد اتضاح معالم الخريطة الانتخابية ليهنئ قيادة الحزب الفائز، بكل روح رياضية ولا يشرع في الكولسة ضده

لقد أخلف "الديموقراطيون" المغاربة أكثر من موعد، خاصة خلال الحملة الانتخابية عندما سكتوا على التضييق الذي تعرض له حزب "معين"، بل لم ينطقوا ببنت شفة رغم كل الشواهد والمؤشرات التي كانت تتواتر مشاهدها من مختلف الأقاليم حول "التدخل الخشن" للتأثير على شفافية ونزاهة العملية الانتخابية.. ظنا منهم أن التضييق على منافس سيكون له انعكاس إيجابي على الحصيلة الانتخابية قبل أن تقرر صناديق 7 أكتوبر العكس.

كان "الديموقراطيون" سيحققون اختراقا كبيرا لو انهم أوقفوا حملاتهم الانتخابية يوما أو بعض يوم في كل موقع انتخابي تعرض فيه الحزب المعلوم للتضييق، لكنهم لم يفعلوا مع أن خطوة كهذه كانت ستساهم في ترقيع "بكارة" كثير منهم.

إن 7 أكتوبر ليس يوما عاديا، بل هو يوم من "أيام الشعب". أقل إنجازاته  تأكيده أن المغرب بلد "مختلفا"، وأن الوصفات التي نجحت في المشرق ليست مناسبة بالضرورة للحالة المغربية، والأهم من ذلك، أن المغرب الذي خط إحدى أكبر الملاحم، سواء من خلال حرب التحرير أو من خلال المسيرة الخضراء، نجا بفضل تصويت جزء من ناخبيه ووعيهم، من أن يتحول إلى حديقة خلفية لدولة خليجية صدقت أنها قادرة بفضل المال وحده -الذي بدأ يتناقص على كل حال-، على التحكم وتحديد مصائر الدول الشعوب.

وهذا مايجعل ما يجعل 7 أكتوبر يوما استثنائيا بكل المقاييس..لا يمكن أن تغطي عليه حتى معركة "العدس" التي تتصاعد هذه الأيام.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.