شعار قسم مدونات

أن تكون فلسطينياً يعني أن أكون عنصرياً ضدك

blogs - lebanon camp
عُمَر شاب لاجئ من فلسطين إلى لبنان، ولد وترعرع فيه، ساهمت علاماته الدراسية المرتفعة، أن يحصل على منحة جامعية كاملة في إحدى الجامعات العريقة في بيروت، فرصة ذهبية لا يحصل عليها كثير من الفلسطينيين، فأن تكون لاجئاً فلسطينياً في لبنان، يعني أن تكون مهمشاً ممنوعاً من حقوقك الأساسية.

يعيش بعض اللبنانيين حالة من الانفصال عن الواقع، فيظن البعض منهم أنهم يعيشون في سويسرا الشرق، لا يعلمون أن الشرق الذي يحيون فيه أنهك جراء القتل والتدمير فيه، فأسقطت الشين من الشرق قصداً واستبدلت بالحاء، فاشتعلت النيران فيه حرقاً وخراباً ولم يعد بمقدور أحد إطفاءها.

ليس من السهل على اللبناني أن يدخل المخيمات الفلسطينية، ولا أن يصادقهم ويعيش معهم، فمعظم اللبنانيون محرم عليهم دخول المخيمات، والحجة هي الواقع الأمني المفروض.

دخل عمر الجامعة فلوحظ عليه لكنته الغير المعتادة والغريبة عن اللهجة اللبنانية، فسُئل: من أين أنت؟، ليرد ويجيب: أنه من عكا المحتلة في فلسطين، فيباغته أحدهم بسؤالٍ عجيب: ألا يوجد جامعات عندكم في فلسطين لتأتي وتدرس في لبنان؟

ثم تسأله فتاة؛ قاطعة إجابته، هل تأتي كل يوم من عكا إلى لبنان للدراسة؟ أسئلة بريئة مضحكة، تنمّ عن قلة وعي لدى الشباب اللبناني تجاه القضية الفلسطينية.

طرحت على عمر الكثير من الأسئلة طوال فترة دراسته الجامعية، ليكتشف هو بنفسه، أن بعض الطلاب لا يعلم عن احتلال فلسطين من شيئاً، وآخرون لا يمانعون بدولة إسرائيلية تجاورهم. والأسئلة ذاتها تطرح على عمر وغيره من الشباب الفلسطيني الذي يختلط بالمجتمع اللبناني.

أذكر أننا وفي خضم نقاش في الجامعة حول وضع المخيمات الفلسطينية، بادرت إحدى الفتيات بالسؤال: هل ما زالوا يعيشون في الخيم حتى يومنا هذا؟ صدمت حينها بذاك السؤال، وكان ذلك عام 2014.

صدر هذا السؤال عن فتاة تطمح أن تكون إعلامية في المستقبل، لم تكن سبب الصدمة ذاك فقط، بل لأن المخيمات تنتشر في جميع المدن اللبنانية من شماله إلى جنوبه بمجموع 12 مخيماً، أيعقل أنها لم تلتقي يوماً بفلسطيني أو أن تلمح مخيماً في طريقها.

ولكن للأسف، أن ما وراء هذا الكمّ من الجهل، مخطط أممي لدولنا العربية يراد منه محو القضية الفلسطينية من ذاكرتنا، وعليه فإن لبنان يدفع ثمن مجاورته لفلسطين وإيوائه لأكثر من نصف مليون فلسطيني على أراضيه. مخطط يهدف في طياته إلى التآمر على الشعب اللبناني، استغباءً له ولإلهاءه بقضايا ثانوية، ليكون راضخاً لإملاءات الخارج.

دولة بلا رئيس، حكومة بلا انعقاد، ومجلس نيابي معطل، جيش مستهلك القدرات وشعب تشغله قضايا الكهرباء والماء والنفايات لم تكن آخرها.

ليس من السهل على اللبناني أن يدخل ويتجول داخل المخيمات الفلسطينية، ولا أن يصادقهم ويعيش معهم، معظم اللبنانيون محرم عليهم دخول المخيمات، والحجة هي الواقع الأمني المفروض عليها.

ولكن الحقيقة عكس ذلك، فالهدف من وراء ذلك هو تغييب القضية الفلسطينية عن الشعب اللبناني، قلناها في الأعلى "مخطط أممي"، وعلى ذلك فإن لتلك الأمم أياد خفية تعمل على إنهاء هذه القضية بشتى السبل.

حياة الفلسطيني تلخص ببضع كلمات، مخيم معتم، منازل متهالكة، بنية تحتية مصدعة، طرق هي بالأحرى زواريب ضيقة، بطالة منتشرة فهو ممنوع من العمل بأكثر من 72 وظيفة!

فيصبح الفلسطيني بنظر فئة من اللبنانيين، إرهابي متشدد، وتحسبهم فئة أخرى كائن فضائي استوطن بعض الأراضي اللبنانية، فتسعى جاهدة حصاره ضمن بقعة محددة، تمنع خروجه أو التعايش معه، فترفض إعطاؤه أدنى مقومات الحياة الإنسانية. فتصبح حياة اللاجئ مزرية، ويتحول همّه من العودة لفلسطين إلى تأمين قوت يومه ما يسمح بإبقاءه على قيد الحياة.

نجح عُمر بتفوق في الجامعة، ما سَمح له بالسفر إلى الدوحة والعمل فيها، هو حلم يراود كثير من الفلسطينيين أن يهاجروا خارج لبنان، تقدرها إحصائيات بأن نسبة 70 في المئة من الشباب الفلسطيني يهاجرون إذا ما أتيحت لهم الفرصة.

ولكن لم الهجرة من لبنان هو حلم للفلسطيني؟
أو هذا بسؤال؟!، فحياة الفلسطيني تلخص ببضع كلمات، مخيم معتم، منازل متهالكة، بنية تحتية مصدعة، طرق هي بالأحرى زواريب ضيقة، بطالة منتشرة فهو ممنوع من العمل بأكثر من 72 وظيفة! ما يعني أن أقل ما يفكر به الفلسطيني تجاه لبنان، هو الهجرة منه، لا لشيء إلا ليؤمن حياة لائقة به ولأطفاله.

ويبقى أن نؤكد أن ليست كل أصابعنا متشابهة، ولكن ما يؤلم، أن نجد أخاً لنا في العروبة، مهمشاً يحتاجنا فنرفضه، يستصرخنا فنصم آذاننا عنه، ولكن القادم ليس ببعيد وغداً نرى.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.