انتهت انتخابات 7 أكتوبر 2016 التشريعية بالمغرب، وأسفرت عن نتائج يمكن اعتبارها مفاجأة من جانبين، الأول تقدم في عدد المقاعد للحزب الأغلبي (العدالة والتنمية) مابين انتخابات 2011 (107) و2016 (125) أي بـ 18 مقعد إضافي، والثاني تقدم في عدد المقاعد للحزب المحتل للمرتبة الثانية (الأصالة والمعاصرة) في 2011 (47) وفي 2016 (102)، أي بـ55 مقعد إضافي.
فماذا يمكن أن نسجل على هذه الانتخابات من خلاصات؟ وماهي الأسئلة التي تفتحنا عليها؟ وهل فعلا يمكن اعتبارها انتخابات حاسمة في القطع مع مساوئ سابقاتها من حيث مدخلاتها ومخرجاتها الدستورية والسياسية؟
خلاصات حول الإطار الدستوري
تعد هذه الانتخابات الثانية المؤطرة بدستور 2011، وتختلف عن سابقتها بكونها انتخابات تمت في إطار دستور وملحقات قوانينه التنظيمية التي تمت المصادقة على جلها طيلة مدة الخمس سنوات الماضية، وبالرغم من أن دستور 2011 قد أقر ببعض الصلاحيات لرئيس الحكومة، ودستر المنهجية الديمقراطية التي بموجبها يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب الأغلبي انتخابيا، فإن الدستور لازال يحتفظ بصلاحيات واسعة للملك في الحكم، و حتى رئيس الحكومة السابق الذي من المفترض ان يفعل حتى تلك الصلاحيات المخولة له دستوريا، مافتأ يردد في العديد من تصريحاته أن الملك هو الذي يحكم في المغرب.
خلاصات حول الإطار التدبيري
هذه الانتخابات أشرفت عليها وكالعادة وزارة الداخلية، بالرغم من تصاعد الأصوات المطالبة بلجنة وطنية مستقلة للإشراف على الانتخابات، مما يجعل الحديث عن النزاهة هو حديث لا متانة له مادامت مقدمات النزاهة الانتخابية قد غابت.
الانتخابات أشرفت عليها وكالعادة وزارة الداخلية رغم تصاعد الأصوات المطالبة بلجنة وطنية مستقلة للإشراف على الانتخابات |
ومطلب لجنة وطنية مستقلة للإشراف على الانتخابات هو مطلب مشروع للاعتبارات التالية:
1- أن المغرب يعتبر من الأنظمة الهجينة ديمقراطيا وفق آخر تصنيف لمؤسسة Economist Intelligence Unit بحسب مؤشر الديمقراطية في تقريرها لسنة 2015 ، وبالتالي فالحاجة كازالت ماسة إلى انتقال ديمقراطي.
2- أن هذا الانتقال تلزمه مقدمات ومن أهمها أن تكون هناك ضمانة دستورية وسياسية لحصول انتخابات ديمقراطية وحرة ونزيهة، فأما "الحرة" فهي أن تحظى هذه الانتخابات بمشاركة واسعة للمواطنين فيها، وأن تفسح المجال للتعبيرات المجتمعية المنظمة في تأسيس أحزاب سياسية دون قيود قانونية تمنع حرية التأسيس أو تعرقلها نموذج حزب البديل الحضاري وحزب الأمة المحرومين من حقهم في التأسيس.
وأما "الديمقراطية" أن تعكس هذه الانتخابات سمو الإرادة الشعبية من حيث صلاحيات كاملة للبرلمان في التشريع والمراقبة، وصلاحيات كاملة للحكومة في سلطتها التنفيذية حتى تكون مسؤولة عن تنزيل برامجها ومعرضة للمحاسبة نتيجة ذلك، ومن أجل ضمان انتخابات ديمقراطية وحرة ونزيهة، فتجارب الانتقال الديمقراطي تدل على ضرورة وجود لجنة وطنية مستقلة للإشراف على الانتخابات.
3- أن يكون كل مواطن ناخبا تلقائيا دون اشتراط تسجيل في اللوائح الانتخابية يقيد حق المواطنة.
خلاصات حول المستند الشعبي
كانت نسبة المشاركة المعلنة رسميا في انتخابات 7 أكتوبر هي 43 بالمئة من مجموع الناخبين المسجلين، بينما هي 26 بالمئة تقريبا من مجموع المؤهلين للتصويت -أكثر من 26 مليون-، وبعملية حسابية تقديرية حصل الحزب الأغلبي حصل على ما يقرب من مليوني صوت تقريبا من مجموع الناخبين المسجلين 16 مليون أي نسبة 12بالمئة تقريبا، و-نسبة 7 بالمئة تقريبا من مجموع المؤهلين للتصويت.
هذه الأرقام الرسمية والتقديرية تظهر بجلاء أن المستند الشعبي لهذه الانتخابات يعد ضعيفا، وهذه الخلاصة لها علاقة بما سيأتي تحليله لاحقا حول خطر الفراغ السياسي الذي قد تأتي به هذه الانتخابات.
خلاصات حول مآلات النتائج
يقودنا التأمل في نتائج هذه الانتخابات والنقاشات الدائرة حاليا حول التحالفات على ما يلي:
1-أن التحالفات البعدية لها أثر سلبي على جدوائية ومصداقية هذه الانتخابات، إذ يصبح الهم الوحيد للحزب الأغلبي، هو تحقيق النصاب اللازم دستوريا لتشكيل الحكومة بأي ثمن كان دون النظر في توفر عنصر الانسجام البرامجي بين مكونات الحكومة.
2-أن مآل هذه التحالفات البعدية بمختلف سيناريوهاتها سيفتحنا على سؤال من الأهمية بمكان في تقديري، وهو سؤال وجود معارضة قوية وحقيقية، يمكن لها أن تضمن نوعا من التوازن السياسي والمؤسساتي، وأن تملأ الفراغ السياسي في عملية التنبيه والمراقبة والتعبئة والنقد والتنافس الديمقراطي من داخل النسق المؤسساتي.
خلو المشهد البرلماني من معارضة فعالة وقوية وذات مصداقية قد يفرغ كليا نتائج هذه الانتخابات من مضمونها من حيث فائدتها وحيويتها |
إن خلو المشهد البرلماني من معارضة فعالة وقوية وذات مصداقية قد يفرغ كليا نتائج هذه الانتخابات من مضمونها من حيث فائدتها وحيويتها.، وإذا أضفنا إلى ذلك ضعف مستندها الشعبي فسنكون أمام خطر فراغ سياسي قاتل بحيث لا وجود لمعارضة تحتضن آمال وطموحات المحبطين واليائسين والعازفين عن العملية السياسية برمتها، مما يجعل إمكانية تفريغ مطالبهم خارج النسق المؤسساتي أمرا واردا بشكل كبير ومفاجئ، وهو ما يضرب في العمق مشروعية المؤسسات التي أفرزتها هذه الانتخابات.
خلاصات في المخرج والمأمول
إن النتائج التي أفرزتها انتخابات 2016 التشريعية ومآلاتها المتوقعة لتؤكد بالملموس الإشارات التالية:
1- أن مشروعية إصلاح دستوري لدمقرطة الدولة دستورا ومؤسسات، ولترسيخ مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة لكل من له سلطة فعلية، لازالت قائمة وتعد هي المدخل الأساسي لولوج نادي الدول الناشئة ديمقراطيا، وهي المخرج من هذا الروتين السياسي القاتل، الذي قد يفتح البلاد على المجهول.
2- أن مشروعية إصلاح سياسي لدمقرطة القوانين الضامنة للحقوق والحريات -قانون الأحزاب السياسية، قانون النشر والصحافة، مدونة الانتخابات-، مع إبعاد إشراف وزارة الداخلية على تأسيس الأحزاب السياسية وعلى الانتخابات،ليعد مدخلا ثانيا لولوج نادي الدول الناشئة ديمقراطيا، وهو المخرج السليم من هذه الفسيفساء الرتيبة، لتعددية حزبية شكلية ولبرلمان ولحكومة ولدولة تراكمت عليهم صورا بئيسة ومنفرة من الاهتمام بالشأن العام.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.