شعار قسم مدونات

لماذا سأشارك في 11/11؟

blog- ثورة

دعني أخبرك في البداية لماذا خسر مرسي والإخوان الرهان علي الشعب بينما كسبه المجلس العسكري والدولة العميقة.

دائما ما ردد مرسي في خطاباته أنه يثق في الشعب ووعيه، وأنه لا يخشى عليه بعد استفاقته في 25 يناير، وانطلق أنصاره لإقامة المعارض لتوفير السلع الأساسية وتنظيف الشوارع، فأشبعوا البطون فقط ولم يدركوا أنها ستنقلب عليهم وقتما تجوع!

وربما أدرك السيسي ومن يحركه طبيعة غالبية الشعب فعملوا على استغلاله وتغييبه، فافتعلوا الأزمات وأطلقوا آلتهم الإعلامية لتغييب وعيه وتجييشه ضد مرسي، ومن ثم استغلاله كظهير شعبي للانقلاب عليه.

وهكذا خسر الإخوان الرهان على الشعب رغم ترديدهم الدائم أن المعركة "معركة وعي"، إلا أنهم لم يقدموا ما يرفع من الوعي ، وهذه من الأخطاء الكبيرة التي يدفع ثمنها الشعب والإخوان كلاهما، وإن كان يجب أن نلوم أحداً فالأولى ألا نلوم الشعب!

خسر الإخوان الرهان على الشعب رغم ترديدهم الدائم أن المعركة "معركة وعي"، إلا أنهم لم يقدموا ما يرفع من الوعي

فكيف تراهن على وعي شعب وصلت فيه الأمية إلى نسبة23.7 بالمئة لمن هم فوق الـ15 عام، ويعيش نسبة 27.8 بالمئة منه تحت خط الفقر! وتصل نسبة البطالة فيه إلى 12.8 فى المئة!

بل نلوم أنفسنا على ما لم نقدمه لهذا الشعب لتوعيته بحقوقه وبكيفية انتزاعها، بدلا من أن نوفر له طعام يوم أو اثنين، فكما تقول الحكمة "لا تعطني سمكة، ولكن علمني كيف اصطاد".

والأصل أن عملية التغيير كباقي العمليات الأساسية في المجتمع كالتعليم والصحة وغيرها تقودها نسبة قليلة منه تقوم بكفاية احتياجاته من هذه العملية، فليس من الضرورة أن يقوم كل المجتمع بكفاية الاحتياجات كاملة بل يكفيه وعيه بدوره في ظل وجود طليعة أو نخبة تقود عملية التغيير، وهنا تنتقل مسؤولية التغيير إلى المؤسسات والنخب التي تتطوع لقيادتها في المجتمع، وهذه المسؤولية ليست فقط قيادة ولكن أيضا في المقام الأول مسؤولية توعية الشعب بضرورة عملية التغيير ودوره فيها وتأثيرها على مصالحه الحياتية المباشرة.

واليوم بعد ثلاث سنوات من حكم السيسي وقد أثبت فشله الذريع، فقد عجز هو وحكومته عن توفير احتياجات الشعب وأخذت الأسعار بالارتفاع الشديد في ظل تدني المرتبات، وفرض الضرائب وارتفاع سعر الدولار بشكل غير مسبوق، وازداد الغضب الشعبي وظهرت دعوات عديدة للخروج يوم 11 نوفمبر القادم فيما أطلق عليه "ثورة الغلابة" والتي لم يتبنّها حتى الآن أي حزب أو فصيل سياسي.

حسناً، لماذا يجب أن نشارك في 11/11؟
أولاً :ظهرت دعوات من البعض بالمقاطعة بدعوى "هذا ما جناه الشعب على نفسه"، "خليهم يذوقوا الـ عملوه فينا" والعجيب أن بعض من يدّعون انتماءهم للتيار الإسلامي في مصر يرددون تلك الكلمات. فبدلاً من إحساس الشماتة أو حتى الشفقة، وجب عليهم الإحساس بالمسؤولية تجاه هؤلاء، مسؤولية توعيتهم وقيادتهم وتوجيههم لإحداث التغيير المنشود.

ربما نذكر جميعاً لمّا مرّت جنازة يهودي أخذ الرسول -صل الله عليه وسلم- يبكي فقالوا: ما يبكيك يا رسول الله؟ قال: نفس أفلتت منّي إلى النار. وهذا الإمام حسن البنا يقول في رسالته إلي الشباب "ولازال في الوقت متسع ولا زالت عناصر السلامة قوية عظيمة في نفوس شعوبكم المؤمنة رغم طغيان مظاهر الفساد".

فهذا حال الدعاة وديدن الدعوة فما جاءت إلا إنقاذاً للغارقين وهدايةً للحيارى والتائهين، وغاية الداعي إرضاء الله تعالى لا إرضاء الناس، أكنتم تبغون رضا الناس بالمعارض والخدمات للوصول إلى الحكم؟ أم تتخذون الحكم وسيلة لإرضاء الله من الأساس؟

عبارة "لا توجد ثورة جياع" فهي لا تنفي أن مطالب العيش الكريم وهي ركن أساسي في كثير من تجارب التغيير. 

ثانياً : لو قلنا أنها غضبة أو مظاهرة فئوية فقط، فما الضرر؟ بل إن نفعها كبير لو أحسنا استغلالها، فالمظاهرات والاحتجاجات الفئوية دعمها وإكثارها وزيادة زخمها في صالح الثورة، فهو يضعف النظام ويسقط عنه جزء كبيراً من ظهيره الشعبي ويعطي الثقة للكثيرين للنزول مرة آخري ويجدد الآمال لدى الآخرين، سواء باستجابة النظام للمطالب فهو انتصار جزئي مهم، أو رفضها واستمرار الزخم.

فهي خطوة واحده في طريق الثورة وفرصة عظيمه وجب استغلالها، فالثورات لا تقوم بين ليلة وضحاها وإنما هي نتاج تراكمات وسخط طويل، نتاج عمل دؤوب وجهد كبير، وما ثورة الخامس والعشرين من يناير عنا ببعيدة، فقد كانت لحظة تتويجية لأحداث كثيرة سبقتها وتراكمات غضب ونتاج جهد كبير وتضحيات أكبر ربما بدأت بمظاهرات رفض الاحتلال الأمريكي للعراق 2003، تبعها سلسة من الخطوات "كإضراب عمال الغزل والنسيج بالمحلة في 6 أبريل، والمظاهرات الفئوية، والجمعية الوطنية للتغيير، وحركة كفاية،وانتخابات 2010 وغيرها.

أما عبارة "لا توجد ثورة جياع" فهي لا تنفي أن مطالب العيش الكريم هي ركن أساسي في كثير من تجارب التغيير، فلعلنا لا ننسى هتافات يناير التي حركت شريحة كبيرة من المجتمع وضمنت تأييده مثل "عيش، حرية، عدالة اجتماعية"، "غلوا السكر غلوا الزيت، بكرة نبيع عفش البيت"!

وكذلك ثورة إيران التي مثّل إضراب عمال النفط نقطة تحول رئيسة في كسب التأييد الشعبي للثورة، وعرف الخميني وأنصاره كيف يستغلونها جيداً لصناعة ثورة سياسية مؤدلجه!

"الشعب" هو عامل القوة الأساسي في عملية التغيير بل هو محور الصراع، فمن كسب تأييد الشعب سواء بتوعيته أو بتغييبه فقد خطي خطوة كبيرة نحو تحقيق انتصاره، فانقلاب السيسي خير دليل، وفشل انقلاب تركيا أيضاً!

ثالثا: لماذا فشل مؤيدي مرسي في إسقاط السيسي على مدار ثلاثة أعوام؟ وأتعرض هنا لسببين فقط من اهم الأسباب:
أولهما: عزل نظام السيسي لهم عن المجتمع، وبصورة أو بأخرى استجابوا لهذا العزل ودخلوا مع المجتمع في خصومة. وكلنا يعلم أنه لا يمكن أن تنجح ثورة بفصيل واحد معزول عن المجتمع تٌكيّل له الضربات الأمنية تباعا ويواجه بآلة القتل والقمع الشديد، لا يمكن لفصيل دخل مع المجتمع في خصومة أن يقوم بثورة للمجتمع أو بدونه!

ثانيهما: أنه نادراً ما رفعوا مطالب تتشابك مع احتياجات المجتمع وعامة الشعب، فأصلوا لفكرة الانعزال وتبني مصالحهم الخاصة. وبالطبع كيف تطلب من المجتمع أن يلتف حولك أو يتبنى مطالبك دون أن تتبنى أنت مطالبه من البداية؟ بل كيف تُنجِح ثورة قائمة على مطالب فئة واحدة من المجتمع؟

وأرى في يوم 11 نوفمبر المقبل فرصة عظيمة لراغبي التغيير بأن يكسروا حاجز العزلة المجتمعية ويعيدوا التشبيك معه مرة آخري، بأن يتبنوا مطالب اليوم كجزء أصيل من المجتمع. بل هو خطوة كبيرة لو نجح الحشد لهذا اليوم.

نعم الثورات لا تقوم لتلبية حاجات البطون، ولكن الغضب الشعبي والزخم الثوري وسقوط الظهير الشعبي للنظام هو قوة جبارة تستطيع أن تسقط أعتي الأنظمة، ولكن ينقصها عدة عوامل أهمها ذكاء ووعي لتوجيه هذه الطاقات للمسار الحقيقي وتحرير الأوطان.

ومن هذا المنطلق فإنني أدعو بقوة كل التيارات والحركات والأفراد الذين تبنوا حركة التغيير في مصر أن يدعموا ويشاركوا في يوم 11 نوفمبر، فلو ظل بهذا الشكل العفوي دون قيادة أو توجيه للعموم فأخشي أن يكون النظام قادراً على استيعابه بسهولة.

وهنا يأتي دورنا في توعية الجميع بضرورة المشاركة والاحتشاد وجعل هذا اليوم نقطة في طريق الثورة وانتصار ولو جزئي في مسيرتها، وأدعوا الجميع للتكاتف والتوحد والقيام بدوره ومسؤوليته تجاه المجتمع.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.