شعار قسم مدونات

الحرب العالمية الثالثة تقضي على حلول الصراع في سوريا

blogs - turkey
النظرية الأردوغانية لسياسة الاحتواء تجعل من تركيا المنقذ الوحيد لمنطقة الشّرق الأوسط، هل الإرث التّاريخي للعثمانيين في احتواء العقائد والطّوائف والعرقيات تجعل منه نموذجا لحلول الصّراع، أم أنّه يفتقد إلى القدرة على التحرّك أمام مخططات العمالقة؟

هذا النّموذج في السّياسة الخارجية جعل من تركيا قبلة سياسية، يحجّ إليها الغرب بزعامة أمريكا ليكفّرَ عن أخطائه في حقّ أمنها، ونافذة للشّرق تخفّف من خلالها روسيا وإيران من عزلتهما الاقتصادية، وتزيل الشّكوك حول مصادر الإمداد البشري لتنظيم الدّولة الإسلامية في سوريا والعراق.

كما كشفت عن نقط ضعف داخل المنظومة الدّفاعية للنّيتو التي عرّضت تركيا للخطر أثناء خلافها العسكري مع روسيا، وكان السّبب المباشر لميلاد تحالف عسكري لدول إسلامية كبديل واستراتيجية إضافية لتركيا دفعت إلى استقطاب مجلس التّعاون لدول الخليج المهدّدة تهديدا مباشرا أيضا.

عرض تركيا كوسيط يدير الخلافات السياسية والعسكرية في صراع العقائد لا مفرّ منه، طالما تمتاز بعلاقة جيدة مع إيران، والعرب، والسنة، والأكراد، مجتمعة.

المؤكّد أنّ السّياسة التّركية الجديدة تعتبر الإنسان رأسمال سياسي يجب الاستثمار فيه قصد حماية الحقوق البشرية وصيانتها، والتي باتت نتائجه واضحة أيّام الانقلاب العسكري في تركيا.

على الصّعيد الدّاخلي جعل من هذا الرأسمال درعا سياسيا وحصنا منيعا أمام الدّبابات والمروحيات والطائرات، أمّا على الصعيد الخارجي فقد تجاوزت الاستثمارات في هذا النوع من الرأسمال 15 مليار دولار من خلال سياسة "احتواء" اللاّجئين على أراضيها ومنحهم فرص تجنيس وتشغيل لم تمنحها أيّة دولة أخرى.

فطبيعة الصّراع العسكري في الشّرق الأوسط، وخاصّة في سوريا والعراق، جدّ معقدّ كونه مركّب وتداخلت فيه خطط تفكيك دول المنطقة. فالحرب في سوريا ليست كما يدّعي الأسد على أنها بين أمريكا وروسيا، بل هي حرب كانت بين الصّغار ودُفعت دفعا شديدا وملحّا لأن تصبح حرب كبار، فالحرب إذن على عدّة مستوايات، فهي حرب بدأت سياسية بين نظام الأسد والمعارضة، وانتقلت إلى صراع مسلّح، وحرب عقائدية بين السّنة والشّيعة، وعرقية فيما بين العرب والفرس والأكراد، وانتهت بصراع القوى العظمى المتمثلة في الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا. لكن بتحليل بسيط، فالحلول لا تخفى على أحد:

أولا: موقع تركيا الوسطي بين أمريكا وروسيا يجعل منها دولة مؤثرة على مصالحهما مباشرة، وخاصّة الأمنية في المنطقة، وهذا يعني قدرتها على تأمين مصالح كلا الطرفين بشرط ألا تتناقض مع الأمن القومي التركي.

ثانياً: تركيا قادرة على تأمين جميع المصالح التي يأمنها الأسد لروسيا في المنطقة، بل ولها القدرة على تحقيق أكثر من ذلك -الجوانب الاقتصادية، الطاقوية وغيرها- قصد التّخفيف من شدّة مخاوف روسيا الأمنية في مقابل أن تضمنَ بالتالي التقليل من نشاطها العسكري، تزامنا مع تحييد حلف النيتو عسكريا من المنطقة، طالما سياسة تركيا مع روسيا تضمن القدر الأكبر من الاستقرار وقادرة على حماية المصالح الأمريكية التي لا تزيد أن تكون في مجملها أمن إسرائيل، وقد ترسم هذه المصالح الوضع والشكل السّياسي لسوريا مستقبلا من خلال إقصاء "المتشددين الإسلاميين" من السّلطة مثلا، وبالتالي الخروج بمعاهدة أو إتفاقية دولية تنهي اعتبار منطقة الشّرق الأوسط منطقة صراع متقدّم بين الشّرق والغرب، ثم تنتقل الحلول إلى الدّرجة الثّانية ويعمدُ الجميع إلى إنهاء الولاءات غير المبررّة والحروب بالوكالة التي تخوضها.

عرض تركيا كوسيط يدير الخلافات السّياسية والعسكرية في صراع العقائد لا مفرّ منه، طالما تمتاز بعلاقة جيّدة مع إيران والعرب والسّنة والأكراد مجتمعة، ثم المرور إلى مرحلة الحلول السّياسية من الدّرجة الثالثة، من خلال إعداد أرضية سياسية إنتقالية تمثّل فيها جميع أطراف الخلاف، والبدء في التّحضير لانتخابات تشرف عليها الأمم المتّحدة في كل المناطق السّورية بدون استثناء، ثم تشكيل الحكومة ذات الصّلاحيات التنفيذية.

لكن صراع المصالح الأمنية تغلب على الحلول، ولم يعدّ بمقدرة الدّول القادرة على فرضها داخل مجلس الأمن في وجود فيتو يداس به على رؤوس وسيادة الدول العظمى نفسها. فراح أحد الأطراف يشغل العالم بخلاف جديد يفقد تركيا هذه المكانة قصد تعطيل الحلول.

فالجرائم التي ارتكبها الحشد الشعبي في حق السّنة داخل المناطق التي دخلها في العراق، وهجّر أهلها، واعتقل رجالها، وقتل شبابها ثم دمّر مساجدهم وقتل أئمتها، تحضيرا لإعادة بناء الحسينيات فيها، ثمّ أعاد إسكان الشيعة مكانهم كما يفعلون في سوريا، لا يبقي تركيا صامتة. أصبحت الخطّة مكشوفة وفككت هذه الأخيرة رموزها والصّبر التّركي نفد. 

التأكيد على عدم مشاركة تركيا من طرف رئيس الوزراء العراقي "العبادي" دليل مادّي يثبت أنّ الحرب في العراق عقائدية، إذ كيف تشارك كّل الملل والدّيانات والعرقيات، عدا تركيا السّنية التي كان قد بارك هو بنفسه وجود قوّاتها على أراضيه قصد مواجهة الإرهاب.

فعندما نسمع المراجع الشّيعة في إيران يصرّحون أنّ حدودهم هي حدود دينية تنتهي أينما وجدت الشيعة في العالم العربي، وهم يعلمون أنّه لو دخل الحشد الشعبي الموصل فقد تصبح السعودية محاصرة بالكامل، وتبدأ إيران في المطالبة بضمّ الأقليات الشّيعية المتواجدة على أطراف حدود المملكة الشرقية، الأمر الذي يقضي على فرص تفعيل تركيا لاتفاقية 1926 التي عقدتها مع بريطانيا لحماية الفئة التّركمانية في المنطقة. أصبحت تركيا الدّولة الوحيدة التي كشفت المخطّطات، وأهمّها تماطل التحالف الدولي بقيادة أمريكا في القضاء على تنظيم الدّولة، مع أنها تفجّر أوروبا من حين لآخر، إلاّ أنّ إنتقامهم كان من الإسلام والمسلمين وليس من تنظيم الدّولة.

الفوضى المدمّرة التي رسمتها القوى العظمى في الشرق الأوسط، ما هي إلا جزء صغير من الخطّة الكاملة لمرحلة قيام النّظام العالمي الجديد على جماجم المسلمين في كل مكان من العالم.

قاومت هذه الدّول تنظيم الدّولة لأكثر من ثلاثة سنوات بينما قضى عليهم أوردغان في عشرة ساعات على كامل حدوده الجنوبية مع سوريا، وهذا دليل آخر بيّن أن هذا التّنظيم من إنتاج مؤسّسة السّجون العراقية بإشراف أمريكي، صناعة تُسَهل عليهم تسليم كامل الأقاليم السّنية إلى الشّيعة تحت مسمّيات عدّة منها مكافحة الإرهاب.

مصالح أخرى لدول عظمى ترتقب نظاما عالميا جديدا على أنقاض حرب عالمية ثالثة بين الشّرق والغرب، اختارت المنطقة العربية التي تعتبر نفسها محايدة، وجعلت منها مناطق عسكرية متقدّمة في صراعهما، حتى لا تترك مستفيدا واحدا بعد الحرب الشّاملة عدا الدّولة العبرية التي يخطط أن تفتح لها الطريق لاستلام راية الهيمنة من الولايات المتحدة الأمريكية، لهذا السّبب تدفع الدّولة العبرية بسياستها نحو تحسين علاقتها مع روسيا حتّى تقلل المخاطر عن نفسها، وضمان حياديتها في الحرب المقبلة من جهة، ومن جهة أخرى الدفع بتقوية قدراتها العسكرية إقصى أقصى درجة.

الفوضى المدمّرة التي رسمتها القوى العظمى في الشرق الأوسط، ما هي إلا جزء صغير من الخطّة الكاملة لمرحلة قيام النّظام العالمي الجديد على جماجم المسلمين في كل مكان من العالم، والذي أصبح عددهم وسرعة انتشارهم يشكل خطرا وعائقا بالنسبة إليهم. فالحرب نراها اندعلت على عدّة جبهات وآمال توقفها ليس في القريب العاجل: انهيار العملة الأمريكية، انهيار الاقتصاد العالمي، خطط لتركيع دول صاعدة، انتشار الأوبئة القاتلة، سياسة تشتيت الأعراق وخطط جديدة لاحتكار موارد الطاقة والغذاء، زعزعة الإستقرار في الكثير من الدول، تحويل المخزون من الذهب باتجاه واحد يدّل على وجود مخطط كبير.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان