شعار قسم مدونات

رسالة يحملها البشير إلى يوسف

blogs-القدس

قبل البدأ
مَنْ هُوَ يوسُفْ الدموكي..؟
يوسُف الذِّي لَمْ يَتَجاوَزْ عُمْرُهُ الـ19 عاما، طالِب سَنَة ثانِيَة، تَخَصُص إنْجليزي، مِنْ أوائِل المُشْتَركِينَ في حَرَكَةِ أمَناءِ الأقصى، حَمَل كنْيَة "القائد الشهيد".. يوسُفْ وُهِبَ إجازة في القرآن الكريم من الأسْتاذَة خَدِيجَة خُويص، مما يُعْطِيهِ الصَلاحِيَة بِأن يكون معلماً للقرآن.

تَم اعْتِقَالُه مِنْ قِبَل داخليةِ الانقلاب يوم 21 يوليو/تموز المُنْصَرم، وَتَمَ رَفض الاسْتِئناف في الحُكم يوم 15 أكتوبر/تشرين الأول ليثبت الحكم عليه بِخَمْس سَنَوَات بِتُهْمَةِ انتمائه إلى جَماعَةٍ مَحْظُورَة، واستطاع أنْ يُخْرِجَ رِسِالةً وَرَقِية مِنْ دَاخِلَ المُعْتَقَل تَحْتَوِي عَلَى رُسُومَات عِدَة لأساليبِ التَعْذيب المُتبعَة داخِلَ السُجُونِ الانقلابية، بِالإضَافَة إلى قَصِيدَة شِعْريَة يَصِف فيها مُعَاناة السُجَناء.

شاعِرٌ القُدْس..
عَرَفْتُكَ حِينَما عَرفْت القُدْس، فَأَنْتَ شاعِرُهَا وَلها غَزلكْ في ليالي الشوْقِ والحَنِين، وَلمْ أعرفك إلا طَيِب القلْب، حَسَن التعامُل، دائِم البَسْمَة، عَظِيم المُسَاعَدَة، شَدِيد الاحْتِمَال واسع العِلْم، صادِق اللَهْفَة، عَفِيف الطِباع، كَريم النَفْس.. عَرْفْتُكَ فَعَرفت حُبكَ لِلقُدْس.. عَشِقْتُ القُدْسَ مَعْ كُلَ ضَمةِ قافٍ في أبياتِك.

ما بيْنَ زَمَنَيْن..
لا يخفى عليكَ أنَّ نُبوءَةَ سَيِدنَا يوسُف بِدَايَتُهَا إلقاؤه في غَيابات الجُب، واعلمْ أنَّ نورَ الحقِ في صَدرِكَ سَيُلامِسُ الحُرية، فالحُرياتُ تَبْدَأ مِنَ الزنازينِ الضَيِّقَة، وَأَنَّ السنين العجاف باتَت نِهايتُهَا وَشِيكَة.. اخترتَ السجنَ وَهْوَ أحبُّ إلى قَلبِكَ مِمَّا يَدْعونَك إليه.. لَقَدْ سَوّلَت لَهُمْ أنْفُسَهُم فَرَموكَ في غَياهب الزنازين، فَخُذ الصَّبْرَ زادا لَك، فالذي رَدَّ يوسُف إلى أبيه وأعَزهُ قادِرٌ على أنْ يَجْمَعٌكَ بِأهْلَك وَمَنْ يحِبَك، فَقُل دَوْمَاً مِثلَمَا قالَ رَجُلٌ سَجَنَهُ الحَجاجُ ظلماً:

ستعلمُ -يا نَؤومُ- إذا التقَينا    غداً عِندَ الإلهِ مَنِ الظَّلُومُ
أما والله إن الظُّلـمَ لــؤمٌ    وما زال الظلومُ هوَ المَلومُ
سينقطعُ التلذُّذُ عن أنـاسٍ      أدامُوه، وينقطعُ النّعيمُ
إلى ديَّانِ يومِ الدِّينِ نَمضي     وعندَ الله تجتمعُ الخصومُ.

ما بيْنَ فرعونَين..

واعلمْ أنَّ نورَ الحقِ في صَدرِكَ سَيُلامِسُ الحُرية، فالحُرياتُ تَبْدَأ مِنَ الزنازينِ الضَيِّقَة

يَحْشِدُ فِرعَونُ العصرِ جَيْشُهُ مِثْلَمَا حَشَدَ فرْعَونُ الأوّلَ جَيْشَهُ "وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ" (الأعراف: 111).. وَها هُوَ فِرعَوْن العصْر يَزِيدُ تَكُبُراً ويَحْشِدُ مِنَ الظَالمِينِ ما استطاعَ إلَيْهِ سَبِيلا، وَمَصِيرُهُمُ الهَلاك، مِثْلَمَا هَلَكَ الذي سَبَقَهُ هُوَ وَجَيْشَُ "وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ" (الأعراف: 137).

يا صاحبي السجن..
"آلاف تْنِسُوا هنا من قبلي.. واهو جاي الدور على نسياني..!!".. هكَذا خَتَمَ يوسُف قَصِيدته المُسَرَّبَة مِنْ داخَلَ السِجْن.. لَقَد صَدَقَ يُوسُف، فَآلاف المَصْريين الشَباب مِمَّن يَحْمِلُونَ العِلْمَ والمَعْرِفَة يَنْغَرِسُ في قُلُوبِهُمْ حُب وَطَنِهُم وَثَوْرَتُهُم على الطاغِيَة، وَيَبْقَى السُؤَال: إلى متى سَيَبْقَى يُوسُف وآخرُون بَيْن أيدي المُجْرِمين؟

إلى مَتى؟
راوَدَ هَذا السُؤالُ الكَثِيرينَ مِنْ أمْثَالَ يُوسُف فِي السِجْن: إلى مَتى سَتَبْقَى يَدُ العَذابَ تَنْهَشُ أجْسادَهُم وَتَسْلُق أعْمَارَهُم وتَقْتُلُ أحْلامَهُم وَتَرْمِي بِعَرْضِ الحائِط سَنَواتِ التَعَب وَالمَشَقَة عَلى آمالٍ مَبْنِيَة فِي أذهَانِهُم؟ إلى مَتى سَيَظُلُ المَصرِيّ يَعِيشُ هُو وَالفَقرُ رُوحاً بِروح؟

وِإذا مَا صَرَخَ أحَدُهُم (كَصاحِبِ التُكتك) يَكُونَ مَصِيره مَصِير الآلاف التي قَبلَه.. "إلى مَتى؟" سؤال طَرق جُمجُمتِي كَثِيراً وَطَرحَهُ لِسَانِي عَلى الكَثِيرين.
إلى مَتى؟ إلى أن تَقُوم ثَوْرَة!!
ثَورةُ الشَباب الذَّي استطاع دُونَ تَحَزُب وَجَمَاعات أن يَخلعَ حُكْمَ ثَلاثِينَ سَنَة.. إنهَا الثَوْرَة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.