شعار قسم مدونات

لا تنصحني هكذا أرجوك

blogs - talking
دعني أولاً أوضح فرقاً جوهرياً بين شيئين:
الأمر بالمعروف، أن تجد شخص ما يقوم بخطأ ما في حق نفسه أو مجتمعه، شرط أن يكون هذا الخطأ متعارف عليه مجتمعياً على أنه خطأ، وشرط أنه يؤذي فاعله والمحيطين به، حينها يجب أن تشد على يديه، أن توقفه، أو تستدعي من يوقفه من شرطة أو عسس أو غيرها.

 

أما النصيحة، فتختلف عن الأمر بالمعروف، أن صاحبها عليه واجب قولها، وأن متلقيها ليس عليه من حرج لو لم يقبلها. وتختلف أيضا أنها واجبة مع الأصدقاء ومن يهمك أمرهم أولاً، وليست واجبة مع الغرباء، وهو العكس في الأمر بالمعروف الذي يستوي فيه الصديق والقريب والغريب.
 

لا تنصحني من منطلق أنك أفضل مني، وأعلم مني، لا تدع هذا يتسرب إلى نبرة صوتك التي تنصحني بها أرجوك.

النصيحة واجبة في المجتمع المسلم، النصيحة فاعلة في المجتمع المسلم، لا يجب للمسلم أن يغلق على نفسه القمقم، ويتجاهل ما يراه بين الناس أخصُ منهم أصدقائه.
 

النصيحة أمر شائك، لأنها تَدّخُل في قرارات الشخص وحياته التي يعيشها، لذا فكيفية القيام بها على نحو صحيح، يحكمه سمات الشخص وطباعه وسلوكه، والرد عليها أيضا يحكمه سمات الشخص وطباعه وسلوك، لذا قبل أن تنصحني، ضع في اعتباراتك أن تنتقي كلماتك، وألا تنصب من نفسك ولياً ولا وصياً قبل أن تفعل.
 

لا تنصحني من منطلق أنك أفضل مني، وأعلم مني، لا تدع هذا يتسرب إلى نبرة صوتك التي تنصحني بها أرجوك، لا تنصحني وتتضايق مني لو لم أعمل بقولك، لأن هذا ظلم واضح، لأنك قد تكون على خطأ، حينها سأكرهك.
 

ثم لماذا علي أن أطبق كلامك كله، بحذافيره؟ هل هو مقدس؟ هل هو منزل؟ هل هو غيبي؟ طالما هو ليس كذلك، أرجوك، واجبك ينتهي مع قول النصيحة، لا مع إجباري على فعلها، ولا تنصحني في أمر لا علم لك به أرجوك.

دعني أسوق مثالين لهذا:
الأول، حين نصحني جار لنا أن أختصر حياتي وألا أدخل الثانوية العامة، لأنها صعبة ومصاريفها ثقيلة.. إلخ، وهو لم يكن متعلماً أصلاً! شكرته، ولم أعمل طبعاً بنصيحته فتضايق مني وبدأ يشيح بوجهه عني. ولكن ما حدث، هو أني دخلت الثانوية وتفوقت.
 

والثاني، بعد تقديمي لكلية الإعلام، طلب مني جار آخر لا يعرف شيئاً عن الإعلام أن أعود عن قراري، شكرته، ولم أعمل بقوله، تضايق هو الآخر ولم يعد يكلمني!
 

توخ الحذر لأن النصيحة قد تؤذي، قد تسبب لأحدهم جرحاً غائراً في كرامته ونفسه، قد تجعل قلبه مزرعة حقد بعد أن كان حقلاً من الأمل.

لا تنصحني وأنت غارق في مثل فعلي، لا تنصحني بالكف عن شيء أنت من ساعدني وحمسني على أن أبدأه، لا تنصحني نصيحة خاطئة خصوصاً لوكنت عالماً بأنها خاطئة وأنني أثق بك، لا تنصحني من منطلق أنني جاهل أحمق أخرق، قد أكون كذلك، لكن لا تشعرني بهذا، بإمكانك أن تنصح بلطف، أو أن تضع نصيحتك في جيبك وترحلا معا.
 

بإمكانك أن تنصحني أمام الناس، لكن صداقتنا ستنتهي، بإمكانك أن تنصحني بعد تجربة وبحث لك في موضوع النصيحة، سأقدر لك هذا، بإمكانك أن تشير علي بأحدهم الذي يفهم أكثر منك في هذا الموضوع، سأقدر لك هذا. بإمكانك أن تنصحني كما تنصح غيري، بمعنى ألا يتغير فحوى نصيحتك بناءً على تغير الشخص.
 

وتسألني، لماذا عليك أن تتوخى الحذر في نصحك؟، لأنك لو أخطأت النصح، قد تميت أملاً نابتاً في قلب أحدهم، أو قد تجعل أحداً يكرهك بعد أن كنت خليله. ولأنك لو أصبت، ونصحت بعلم ووعي، تزداد المحبة وتشتد قوةً، ويزداد الدعاء لك في ظهرك بدلاً من الدعاء عليك.

توخ الحذر لأن النصيحة قد تؤذي، قد تسبب لأحدهم جرحاً غائراً في كرامته ونفسه، قد تجعل قلبه مزرعة حقد بعد أن كان حقلاً من الأمل، وبالمقابل قد تساهم أن يكتشف أحدهم نفسه من جديد، وأن يضع خطواته الأولى في سلم تفوقه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.