شعار قسم مدونات

حلب تبكي أبناءها.. والعرب تبكي بيريز!

blogs - abbas
كلنا يتابع ما يحدث في سوريا منذ سنوات؛ ثورة اندلعت ضد نظام ديكتاتوري غاشم كما حدث في بلدان عربية عدة رفضاً لاستبداد الحكام وفساد الحكومات.

تحولت الثورة إلى حرب أهلية بين نظام طائفي يأبى إلا أن يبقى جاثما كالهم على الصدور ويرفض الرحيل عن حكم شعب لا تريده أغلبيته ولا ترى فيه إلا آداة خبيثة بيد قوى خارجية تحركه من أجل مصالحها السياسية والمذهبية التي لا تعكس تطلعات ذلك الشعب ولا مصالحه، وقوى معارضة تدافع عن الشعب من بطش النظام وتمنعه من القتل لكنها للأسف قوى مفككة متناحرة كثيراً فيما بينها ولا توجد كلمة موحدة تجمعها على مصلحة تلك الثورة وكلما اجتمعت تلك القوى أو حاولت الإئتلاف كان الخذلان الخارجي والعالمي ممن زعموا تأييد الثورة ورفضهم للنظام الديكتاتوري منذ بداية قتله لشعبه.

الآن حلب تحترق من جديد فيما وصفه الكثير بهولوكوست حلب ولقد أسمعت لو ناديت حياً، ولكن لا حياة لمن تنادي.

دُمرت حواضر ومدائن، قُصفت أحياءٌ وساكن، حُرقت أرياف وبساتين، وأُخذت في مهدها زهروات ورياحين، من أجل التنكيل بمن قالوا لا للظلم والبطش، ولتركيع واخضاع من قالوا نعم للحرية والعزة والكرامة، قُتل مئات الالآف من أجل كلمة قالوها ومن أجل حرية طلبوها، هُدمت صوامع وبيع ومساجد يذكر فيها اسم الله.

فر ونزح الملايين من أبناء سوريا هروبا من جحيم النظام وحلفائه إلى ظلمات اللجوء والاغتراب، لجأوا إلى بعيد يتجهمهم، أو إلى قريب يتهاون في أمرهم تارة ويُمعن في إذلالهم واستغلالهم تارة أخرى، وبقي من بقي من المحاصرين ورافضي الخروج من ديارهم على أمل تحقيق أحلامهم المتمثلة في زوال غمة النظام وانقشاع ظلام الحرب ولكن لا مناص لهم من دفع ثمن إبائهم ورفض خضوعهم بالموت والحرق على يد النظام وأعوانه وحلفائه.

حاصر النظام وحلفاءه المدن والأرياف ودمروا فوق رؤوس ساكنيها بغاراتهم المدمرة والحارقة التي لا تبقي حجراً ولا بشراً، ولا تذر طيراً ولا شجراً إلا أتت عليه وأجبروا من بقي من أهلها على الاستسلام والتهجير عن أوطانهم ومقايضتهم حياتهم بما بقى من منازلهم وومتلكاتهم، ناهيك عن الذين تم اعتقالهم وتوقيفهم في سجون النظام القابضة على حريات السوريين منذ عشرات السنين والأمثلة والشواهد عديدة وحاضرة أمام الجميع، حصار القصير في حمص وقتل ابنائها ، حصار وتجويع أهل مضايا، تهجير أهل مدينة داريا في دمشق أخيراً، تخريب مدينتي حمص ودرعا الحاضنتين الأوليين للثورة.

حلب الآن تدفع فاتورة الحرب الباهظة وتتحمل وحدها عبء انتقام النظام ممن أيدوا الثورة عليه، تتجسد المعاناة بأقسى أشكالها في ما يعانيه أبنائها من ويلات القصف والتدمير، بالخصوص حلب الشرقية؛ الأحياء الخارجة عن سيطرة النظام السوري، تلك الأحياء كانت تأوي أكثر من مليون نسمة نزح أغلبها خوفا من الموت وهروبا من القصف قبل أن يتم حصارها على يد النظام، بقي منهم الآن حوالي أربعمائة ألف نسمة محاصرين في مساحة صغيرة جداً لا تتجاوز حدود الثلاثين كيلو متر مربع.

قصف بالبراميل المتفجرة من طائرات النظام ، تكثيف للقصف بالقنابل العنقودية والفسفورية الحارقة والخارقة من قبل الطائرات الروسية، روسيا أتت لمحاربة داعش والإرهاب وقتلت في سوريا حوالي 2500 نسمة النسبة الأكبر منهم تنحصر في النساء والأطفال ، وقد رأينا عمران وأقرانه ممن أصابهم القصف بمصيبة الموت أو جرعهم مرارة الخذلان والهوان.

استغاثت حلب من قبل كثيرا حالها كحال أخواتها من المدن السورية، تعالت الصرخات تارة بحلب تحترق، وأخرى حلب تُباد، ثم معركة فك الحصار عن حلب التي لم تلبث إلا أن تعثرت بعد أن نجحت قليلاً، والآن حلب تحترق من جديد فيما وصفه الكثير بهولوكوست حلب ولقد أسمعت لو ناديت حياً، ولكن لا حياة لمن تنادي.

في الأسبوعين الأخيرين، قُتل في حلب حوالي 300 شخص أغلبهم من النساء الأطفال في دورهم وداخل منازلهم وملاجئهم، قُصفت المستشفيات، واُستهدفت طواقم الاغاثة الطبية، ولم يبق إلا بعض المستشفيات الميدانية التي لا تستطيع أن تسعف إلا القليل من أصحاب الإصابات الخفيفة والمتوسطة.

لا يحرك أحد من العرب كعادتهم ولا غيرهم ساكناً وبقي الجميع صامتا وتركوا حلب ترثي حالها وتبكي أبناءها وحدها، لم نسمع حتى كلمات تشجب ولم نر بيانات تندد ولا اجتماعات طارئة تعقد لتناقش ما يحدث لأهل حلب وما يجري من عدوان خارجي عليهم، وكأن على رؤوسهم الطير!.

غير بعيد عن حلب؛ وفي جنوبها التي لطالما دافعت عنه وكانت قلعته الشامخة من جهة الشمال ، رأينا دموع وأنات وجع وتعبيرات وجوه تتأسى وكلمات حزن على رحيل بيريز وموته، من بيريز هذا الذي بكته رؤوس العرب وشاركت في تأبينه وألقت نظرات الوداع على جثمانه حتى يواري ثراه الأخير؟!، إنه ليس من أطفال حلب ولا من الذين قتلوا قصفاً في حمص وادلب وحماة ودرعا ودمشق، ولم يكن من ضحايا العرب في غزة وفي سيناء وفي جنوب لبنان وفي بيروت وعمان وعلى ضفاف نهر الأردن منذ حرب العام 1948 وما بعدها من الحروب.

ذهبت الوفود مُعزية ومشاركة في تأبين رجل الحرب والدمار منها رئيس لم نر له من قبل بكاء على شهيد أو فقيد من ضحايا شعبه ممن قتلهم واستحل أراضيهم بيريز.

بيريز الذي نعاه أحد وزراء خارجية العرب على أنه رجل الحرب والسلام ودعى له بأن يرقد في سلام، أحد زعماء الحركة الصهيونية الذين قتلوا ومازالوا يقتلون العرب وأطفال العرب وأبناء العرب منذ سبعين عاماً وأكثر، هو صاحب التنسيق العسكري مع فرنسا في العدوان الثلاثي على مصر، هو الذي بدأ مشاريع الاستيطان بالقوة في الأراضي الفلسطينية ، هو الذي نفذ مجزرة قانا في لبنان وقتل فيها حوالي 250 شخصاً أكثرهم من النساء والأطفال وكبار السن.

بيريز الذي قال عن حكام العرب قديما في تصريحات أعادت نشرها صحيفة اسرائيلية مجدداً "إن العرب والدول العربية وحكامها لا يعنونه مطلقا"، وقال مزاج ناصر  -الرئيس المصري وقتها- وقاسم -رئيس وزراء العراق- ، يجب ألا يؤثر على سلوكنا، يحق للعرب وقادتهم أن ينشغلوا بأنفسهم فقط وليس بنا، والآن تهرول وفود العرب الى عاصمة الكيان لنيل رضا الصهاينة وللترحم على بيريز بعد مماته ويتناسون رفضه وإذلاله لهم ولسابقيهم في حياته.

ذهبت الوفود مُعزية ومشاركة في تأبين رجل الحرب والدمار منها رئيس لم نر له من قبل بكاء على شهيد أو فقيد من ضحايا شعبه ممن قتلهم واستحل أراضيهم بيريز وأعوانه الصهيانة من قبل، وفات هؤلاء المشاركة في تأبين بني جلدتهم من أطفال ونساء العرب الذين قتلهم بيريز ومن على شاكلته من الصهاينة والطغاة.

والحال الآن أن حلب بقيت تبكي حالها وأخواتها وحدها والعرب إلا من رحم ربي تبكي مُحتلي أراضيها وسافكي دماء أبنائها، فلكي الله يا حلب، ولكم الويل يا عرب..

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان