شعار قسم مدونات

بَينَ عَظَمَةِ الطُمُوحِ وانعدَامِ النَتَائِجِ

blogs - طموح

إذ فكرنا بسؤال لماذا يخفق ذلك الرياديّ، وتُخفق تلك المُناضِلة لحقوق المرأة، ويَستسلم من يُحاول النهوض بالمنظومة التعليمية، وييأس غيرُهم العديد من أصحاب الأحلام غير العادية؟ ستكون إجاباتنا متشابهة وأكثرها تداولاً هي "أن الفشل هو أول خُطوات النجاح وكل ما يَحتاجونهُ هؤلاء هو الإصرار والعزيمة والإلمام بكل مايلزم من معرفة لتحقيق الهدف"، ولكن في الواقع هذا ليس إلا كلاما نظريا لايقدم ولا يُؤخر!

ليس كلُ شخص يَحق لهُ أن يقول "فَشلي هو خطوة للنَجاح ونتعلَّم جميعاً مِن إخفاقاتِنا"! لأن الفشل والإخفاق يكون بعد فِعلٍ حقيقيٍ وليس لمن لم يبدأ بعد!

دعني أوضح لك السبب، لا أحد يستطيع أن يُنكر أن مُعظمهم لديهم الإصرار والعَزيمة ولديهم الدِراسات والإحصائيات وكل ما يَلزم من مَعارف تُسهم في تَحقيق أهدافِهم، وقد تجد أحدهم متحدثاً لبق في كُل ما يدور حول هدفه، وتراهم أيضاً يعيشون لذلك الحُلم ليلاً ونهاراً ويتواجدون في أهم المؤتمرات المتعلقة بأبحاثهم، ويشعرون بعكورة المزاج لأجل حلمهم ولاينامون الليل وهم يفكرون ويَتَفكرون بشأنه، هؤلاء هم من يتساءلون دوماً "ماذا سأفعل إن نَجحت؟" ويتحمَّس ويُدندن أحدهم في نفسه "سأتبنى الأيتام، وأدعم الفقراء، وأرفع من شأن وطني وعائلتي.. وما إلى ذلك".

إذاً لماذا يُخفِقون؟ 
لأن كل ما ذُكر أعلاه هو ما اسميه بإثبات الوجود، وكل ما يتوجَب على المذكورين أعلاه هو أن يَنتقِلوا لمرحلة إثبات النتائج التي يبدأُ بها الجدُّ والتعب والفعل الحقيقي الصحيح باتجاه الهدف، وإلا فسيضيعون في الطريق، فليس كلُ شخص يَحق لهُ أن يقول "فَشلي هو خطوة للنَجاح ونتعلَّم جميعاً مِن إخفاقاتِنا"! لأن الفشل والإخفاق يكون بعد فِعلٍ حقيقيٍ وليس لمن لم يبدأ بعد! وصحيحةٌ هي عبارة "ليس كل ما يَتمناه المرءُ يُدركه" لأن الأُمنية لا تتعدى دائرة الاهتمام التي تتمحور حول اثبات الوجود.. فيقال "أنا احلم وأتمنى فأنا موجود".

قبل أن أقومَ بإقناعِك بأن كل ذلك التعب والجهد والمال يتمحور حول إثبات الوجود وليس اثبات النتائج، سأوضح لك أمراً هام وهو أننا نعيش في وهمين:

الأول هو وهمُ المعرفة: عندما نَعتقد بأننا على مَعرفة كافية بالأمر فيتوقف دماغُنا عن البحث في تفاصيله والتخطيط له، وفي المَيدان نشعرُ بأنه أصعب مما تخيلنا ولكن في الحقيقة أنه لم يزداد صعوبة وإنما نحن لم نكن مُستعدين استعداداً حقيقياً نتيجة الثقة غير المحدودة بأنفسنا التي مدتنا بالحماس العظيم في قلوبنا.

والثاني هو وهمُ الرُؤية: هُناك العديد مَن يعتقد بأنه يعمل بهدف خِدمة الوطن أو ليُصبح أغنى رجل أو نصرة لحُقوق المَرأة.. ولكن الحقيقة هي أن هُناك رؤية أخرى تكمن في داخلِه لم يُدركها بعد وإن أدركها لن يجرؤ على النطق بها، لا أٌقصد أصحاب النوايا السيئة بل أقصد أصحاب النوايا "البريئة".

لا أُنكر أن هُناك حالات معينة نكون مجبورين فيها على أن نبقى في مرحلة إثبات الوجود لإرضاء النفس فقط، وذلك عندما يتعلق الأمر بشخص آخر نهتم لأمره  أو قضية أكبر من قدراتنا.

هو حقاً لا يعلم ما هي نواياه، فقط تَبنى دماغهُ الرؤية الأشمل التي تساعدهُ على تحقيق غايته الضرورية، فتراه لا يُخطط لأكثر من سنة، فجهده يذهب نحو الخطوات التشغيلية ويَفتقر إلى اللمسات الاستراتيجية التي من شأنها أن تؤكد مبدأ الاستمرارية في انجازاته.

ما يزيد تأثير هذه الأوهام التي تسببت في اتساع الفجوة بينهم وبين مرحلة إثبات النتائج هي تلك النصائح والمقالات التي يكتبونها على صفحاتهم الالكترونية، فيعشيون أجواء النجاح قبل أوانه، وهذا في قِمة الإيجابية إن تم السيطرة عليه، ولكن غالباً يصبح وكأنه المبتغى الحقيقي الذي تَعِب من أجلهِ طيلة السنين فيُبالغ به حتى يُلَّقَب بـالريادي أو المُصممة أو المُفكِر أو الكاتِبة أو صانع الأفلام أو عبقريُّ التكنولوجيا.

ويحدث هذا نتيجة أن كُل من حولِه أٌوهِم بذلك لأنه استطاع أن يثبت وجوده، وأن يكون الأجدر والأسرَع ويحقق شهرة أوسع، وبسبب جنون العظمة الذي سيتعرضون له فسييحاولون أن لا يخسروا هذه الألقاب حتى وإن كان ذلك على حساب إثبات النتائج الحقيقية على أرض الواقع، وهذا يؤكد وجود النوايا "البريئة" التي تُسيطر على أَفعالهم إلى حين أن يقرروا المضي قدماً بطريقٍ لا يعرفون معالمها فيضيعون الطريق.

لا أُنكر أن هُناك حالات معينة نكون مجبورين فيها على أن نبقى في مرحلة إثبات الوجود لإرضاء النفس فقط وذلك عندما يتعلق الأمر بشخص آخر نهتم لأمره مثل أفراد العائلة أو قضية أكبر من قدراتنا مثل القضية الفلسطينية او المأساة السورية وغيرها من الأُمور التي تكون خارجة عن إرادتنا المطلقة.

أما بما يتعلق بأحلامنا وطموحاتنا فلابد من وقايتها من هذه الأوهام من خلال التوقف عن الاهتمام بتصفيق الناس لشدة اهتمامنا وتمكننا من الأمر، وأن ننتقل إلى مرحلة إثبات النتائج وهي ما تسمى بدائرة التنفيذ التي لا أحد فيها من الجمهور، وتستلزم التفكير بعقلانية والجهد المكثف والمركّز ليرى الجمهور نتائج حقيقيه فيسأل عن صاحبها ليكون هو الألماسة التي بات الجمهور باحثاً عنها ولن ينساها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.