وفي هذا المقام ينبغي تذكر أن محاربة الأمريكان لثنائية "طالبان القاعدة" استمرت عقوداً دون إعلان القضاء على أي منهما! وبالقياس على هذا فإنه من التفاؤل المفرط المتجاوز لحده، أن تتوقع زوال هكذا كيان يمتلك من الشراسة ما يمتلك بعد معركة مثل معركة الموصل، حتى وإن تم حسمها لصالح الحلف الدولي. وينسحب هذا على تداعيات ما نراه الآن في مدينة سرت، فهل بالإمكان القول أنه بناء على ميكانزم الحركة التي تحققت في ليبيا فإن ذلك يعني أن ليبيا خلت تماما من تنظيم الدولة.
إنه من التفاؤل المتجاوز لحده أن تتوقع زوال كيان يمتلك من الشراسة ما يمتلك بعد معركة مثل معركة الموصل |
يبدو كل ما سبق مندرجاً تحت الخطة "أ" في العرف العسكري وهي المقاومة وحرب الشوارع، وهذا يستوجب إزاحة الستارة عن ماهية الخطة "ب" والتي أتصور أنها ستكون الانسحاب من كافة البؤر المدنية، والتموضع خارج المدن والبلدات وترك المراكز الكبرى والاتجاه نحو فضاءات الصحراء والهوامش الجغرافية البعيدة.
أما استنطاق شيفرة الخطة "ج" فمن الواضح أنها تكاد أن تكون خطة طوارئ تتجلى في حالة استنفاذ الخيارات الأخرى، وهي تتمثل في طور جديد يشهد نقل الدولة والانكفاء بمحتوياتها من العراق وسوريا نحو بؤرة أخرى "سيناء" مثلاً، ربما "اليمن"، ربما "جزيرة العرب" وربما غير ذلك حسب توازنات المتاح والممكن.
وتبقى في نهاية المطاف الخطة "د"؟ وهي الخطة الأكثر شراسة والتي تنص على الانشطار والتشظي في كل العالم، مع بقاء قيادة تتعامل بالأشرطة التي يتم إرسالها لوسائل الإعلام الدولية وفي المقدمة منها قناة الجزيرة . الأخطر على الإطلاق أن يصبح الوصول لمفهوم الدولة هو الحلم الكاريزمي وهو المحفز، فمع انتشار الأخطبوط أو الفروع المتأرجحة بين "اليوتوبيا" والممكن، والتي تسارع في طرح نهايات الميثولوجيا وطقوس النهاية، متباهية بإظهار الولاء والتبعية للمركز في الرقة والموصل، فلك أن تخمن بعضاً من تلك النتائج الكارثية.
وعلى الرغم من كل ما سبق فإنه يمكن القفز والقول إنه توجد قنوات سرية من العمل السياسي السري أو المفاوضات السرية؟ في ظل ما نراه الآن فإن كل شيء ممكن، وكلما جرت شيطنة الطرف الآخر فهذا دليل على وجود سعي نحو التواصل معه تحت الأرض في مفاوضات سرية قابلة للتبلور.
وبالعودة للتاريخ السياسي العربي المعاصر، فإن معركة المطار جاءت بوصفها مواجهة بين حلف دولي وقومية ثائرة، بينما لا ينطبق الوصف في معركة الموصل والتي تجيء بوصفها مواجهة بين حلف دولي وتنظيم ديني يمتلك من اللامركزية قدراً هائلاً يتجسد فيما نسمعه من وسائل الإعلام العالمية عبر مفاهيم منسابة ليس آخرها: الذئاب المنفردة، أضف لهذا ما يزيد عن آلاف المتطوعين والذين هم على قوائم المستعدين للموت في سبيل الدفاع عن الموصل والكاميكاز، في مثل هذه الحالة لا يمتلك طائرات مثل نظيره الياباني بل سيارات وعربات مهيئة للانفجار في أي لحظة.
الحلف الدولي بُعيد معركة الموصل، سيكرم التنظيم تماماً وبالمجان! ربما يزيل عنه جسد الجغرافيا الأرضي إلى حد ما ولكن حتماً سيترك له مثاليات الروح، وسيمنحها قدراً من التوهج المشرق |
نحن هنا إزاء مواجهة بين نخبة النخبة وصفوة الصفوة من المتشددين في تطبيق الشريعة الإسلامية وهم بكل اللامركزية الموجودة لديهم وهذا يلقي الأضواء على الوصف العام بأنها معركة بين حلف عسكري متطور وتنظيم يرى الموت في سبيل الله أسمى أمانيه، وللبرهنة على ما نقول فقد قيل قبل أيام أن بلدة دابق التاريخية وقعت تحت سيطرة الجيش الحر فكان الرد إنها ليست معركة دابق الكبرى وإن التنظيم ينتظر معركة دابق الكبرى، إزاء ما سبق نجد أن الخيارات صفرية!
إنجلاء غيمة الواقع وظهور تبويب جديد بمسمى "انشطار المتشظي" والذي هو أسوأ ما ينتظره الغرب والواقع إن ما بعد الموصل سيكون أسوأ بأشواط طويلة مما قبلها، كانت المعادلة: سأقضي عليه "بمعنى هو مريء ماثل أمامي"، أما بعد الموصل فالمعادلة الجديدة: أين هو؟ إنه يصفعني تكراراً ومراراً، إنني لا أراه!
الحلف الدولي بُعيد معركة الموصل، سيكرم التنظيم تماماً وبالمجان! ربما يزيل عنه جسد الجغرافيا الأرضي إلى حد ما ولكن حتماً سيترك له مثاليات الروح، وسيمنحها قدراً من التوهج المشرق، وهذا قطعاً لا يعني الفناء بل القطيعة مع ما سبق، وإطلاق الشراع في مرحلة أشد تشظياً.