شعار قسم مدونات

السيسي.. معادلة "الرز الخليجي" و"الفودكا الروسي"

Egypt's President Abdel Fattah al-Sisi walks to attend a meeting to exchange a number of agreements with Sudanese President Omar Hassan al-Bashir (unseen) at the El-Thadiya presidential palace in Cairo, Egypt, October 5, 2016. REUTERS/Amr Abdallah Dalsh

رغم المشاكل الداخلية التي يعاني منها النظام الانقلابي في مصر إلا أنه من الملاحظ أن السيسي لا يبالي أو لنكون أكثر دقة يتظاهر بعدم المبالاة وترك ما يدور داخل مصر للشد والجذب بين الشعب ومؤسسات الدولة، وانحصرت تقريباً في مربع الاحتجاج السلبي أو اللفظي من المواطنين وتغول ترتفع وتيرته بصفة مستمرة من قبل مؤسسات النظام خاصة الأمنية منها في ظل وضع داخلي محتقن ويزداد تأزماً يوماً بعد يوم.
 

يخرج فيه قائد الانقلاب العسكري بخطاب أو لقاء هنا أو هناك يتلقفه المعارضين للانقلاب بالسخرية تارةً والغضب والاستهجانً تارةً أخري، وفي كلتا الحالتين لا تغادر تلك الردود الساخرة أو الغاضبة مواقع السوشيال ميديا إلى أرض الواقع، وهو ما تنطبق عليه كلمات الكاتب الروسي فيودور دوستويفسكي "السخرية هي الملاذ الأخير لشعب متواضع وبسيط" لوصف حالة الشعوب التي لا يملك بعضها سوى سلاح السخرية في مواجهة الأعباء السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويستقبله مؤيدي الانقلاب بالتهليل والتكبير وكأن السيسي قد فتح "عكا"، ويستقبله البسطاء من المصريين وهم "الغالبية" إما بالتجاهل أو التعلق بالأمل حتى لو كان "كاذباً".
 

أما بالنسبة للسيسي نفسه فبدا واضحاً في الآونة الأخيرة اهتمامه بالسياسة الخارجية وكأنه قد أدرك أن وضعه داخلياً أصبح ميؤوساً منه ولا بد له من حليف خارجي يستند إليه وملوحاً بورقة تحالفه معه في وجه الشعب المصري، لو فكر في الخروج ثائراً على نظامه ولداعميه الخليجيين لو توقفت إمدادات "الرز".
 

بدا اهتمام السيسي بالسياسة الخارجية وكأنه قد أدرك أن وضعه داخلياً أصبح ميؤوساً ولا بد من حليف خارجي يستند إليه، ملوحاً بورقة تحالفه معه في وجه الشعب المصري لو فكر في الخروج ثائراً على نظامه

و يبدو أن"الدب الروسي" هو الحليف المفضل للسيسي نظراً لأن التجربة أثبتت وبما لا يدع مجالاً للشك أن الروس لا يتخلون عن حلفائهم أبداً، وما يحدث في سوريا ليس ببعيد فقد أحرقت ترسانة الأسلحة الروسية الأخضر واليابس والبشر والحجر فوق الأراضي السورية وحتى في باطنها واستعملت حق النقض "الفيتو" المرة تلو المرة لإسقاط أي قرار في مجلس الأمن ليس في مصلحة نظام "بشار الأسد" حتى لو كانت بضع مئات من طرود الغذاء والدواء للشعب السوري المحاصر.

السيسي نجح في استخدام تلك الورقة جيداً لصالحه وزيارة اللواء علي مملوك رئيس مكتب الأمن الوطني في النظام السوري الأخيرة إلى القاهرة بناءاً على دعوة من الجانب المصري والتي استمرت يوما واحدا، التقى فيها اللواء خالد فوزي نائب رئيس جهاز الأمن القومي في مصر وكبار المسؤولين الأمنيين هي رسالة لها أكثر من مغزى، أولها موجهاً لدول الخليج وبالأخص"السعودية"، فإما أن تستمر المملكة في دعمه مالياً وإلا فإن"إيران وروسيا" هم البديل الجاهز والمستعد لتقديم كل ما يحتاجه نظام السيسي للبقاء إذا ما تخلى عنه الداعم الخليجي "ولن يفعل".
 

فالخليج بحاجة إلى الدور المصري في مشكلة اليمن إن لم يكن بالتدخل المباشر بقوات عسكرية على الأرض، فعلى الأقل ضمان حياديته بعد أنباء عن تزويد نظام السيسي لمليشيات"الحوثي" بزوارق حربية حديثة قام بتسليمها ضباط من القوات البحرية المصرية، وتصريحات لشخصيات مقربة من الرئيس المخلوع"صالح" أن هناك اتصالات مفتوحة بين النظام المصري والانقلابيين في اليمن وأنه على علاقة طيبة معهم وتحديداً بعد ثلاثة أشهر من انطلاق "عاصفة الحزم".
 

وغرباً باتجاه "ليبيا" يتحرك السيسي في أكثر من اتجاه فيقوم الطيران الحربي المصري بين الحين والآخر بقصف مواقع عسكرية للثوار المناوئين ل"حفتر" الذي يسيطر على الشرق الليبي بما يحتويه من ثروة بترولية ضخمة "الهلال النفطي" بطلب ودعم "إماراتي" شبه معلن، وأيضاً ما تواتر من أنباء عن قرب افتتاح قاعدة عسكرية "روسية" في سيدي براني القريبة من الحدود الليبية، والمناورات المصرية الروسية "حماة الصداقة 2016" وسابقتها في يونيو 2015 والتي جرت في مياه البحر الأبيض المتوسط، وشهدت مشاركة الطراد الصاروخي الروسي "موسكفا" رائد الأسطول البحري الروسي في البحر الأسود.
 

نظام السيسي يبحث عن بقائه بأي ثمن ومستعد للتحالف مع الشيطان نفسه من أجل تحقيق هذا الهدف وبالتالي لن يمانع في التهام الكعكة المقدمة له من "إيران" والفودكا "الروسية"

وهناك إلى الغرب قليلاً استقبلت مصر وفداً عن جبهة "البوليساريو" المدعومة "جزائرياً" والتي تطالب باستقلال الصحراء الغربية عن المغرب للمشاركة بالمؤتمر البرلماني العربي الإفريقي في شرم الشيخ وهذا ما اعتبره مراقبون "استفزازاً" للمغرب، ناهيك عما يحدث في"سيناء" من تفريغ لها من السكان والإشتباكات المتواصلة مع "ولاية سيناء" التابعة لتنظيم "الدولة الإسلامية" وما حدث "إثيوبيا" قبلاً من توقيع اتفاقية سد النهضة ثم التوتر لاحقاً بعد اتهام "أديس أبابا" للنظام المصري بدعم وتدريب جماعات مناوئة للحكومة وغيرها.
 

الخلاصة أن نظام السيسي يبحث عن بقائه بأي ثمن ومستعد للتحالف مع الشيطان نفسه من أجل تحقيق هذا الهدف وبالتالي لن يمانع في التهام الكعكة المقدمة له من "إيران" والفودكا "الروسية" إذا توقفت إمدادت "الرز الخليجي" تلك هي معادلة الانقلاب للبقاء في السلطة ولن تتغير تلك المعادلة إلا إذا تحرك الشعب المصري لإسقاط الانقلاب بخطوات عملية على الأرض وليست غزوات "فيسبوكية تويترية".
 

والشق الأخر هو إدراك الدول"الخليجية" الداعمة للسيسي أنه يسعى فقط لنشر الفوضى في المنطقة، وانقلب على كل الثوابت الوطنية بتحالفه الواضح مع الكيان الصهيوني وتقاربه مع إيران ونظام الأسد، ولا يلوح فقط بسيناريو"سوريا" بل سينفذه إذا اقتضته الضرورة للبقاء وعندها لن تخسر مصر وحدها بل ستدفع منطقة الخليج العربي برمتها الثمن الأكبر إن لم تتوقف عن دعمه.