شعار قسم مدونات

يا قومي ما مسني سحر

Wang takes her medicine at the accommodation where some patients and their family members stay while seeking medical treatments in Beijing, China, June 23, 2016. Wang, who suffers from cervical cancer, came from Inner Mongolia to seek treatment at a specialist hospital in Beijing. REUTERS/Kim Kyung-Hoon SEARCH "HOSPITAL ACCOMMODATION" FOR THIS STORY. SEARCH "WIDER IMAGE" FOR ALL STORIES. TPX IMAGES OF THE DAY
في ظهيرة  يوم خريفي، انطلقت السيارة مسرعة بنا سالكة طرقا ملتوية متجافية الطرق الرئيسية، حرصا على السرية التامة، وتجنبا لعيون الناس وثرثرتهم العقيمة. وصلنا إلى وجهتنا في أقصى الشمال لنقابل أحد الشيوخ، ولجنا إلى بيته المتواضع، وبناء على ما أسررت له من أعراض تنتابني، قام بتشخيص حالتي وفقا لخبراته السابقة في التعامل مع حالات مشابهة على أنها سحر عقد لي بفعل فاعل. لم أقتنع بما جاء به الشيخ الذي أحمد الله أنه كان من ذوي التقوى والصلاح حيث وصف لي علاجا من آيات القرآن والأذكار فقط.

العادات والتقاليد غير الصحية والمتناقضة، ترى في العلاج من الأمراض الجسدية ضرورة ملحة، بينما تعتبر السعي لعلاج الأمراض النفسية أو العقلية ضربا من الجنون.

متسلحة بالتقرب من الله من صلاة وقراءة القرآن والتضرع بالدعاء، صمدت في مواجهة الاكتئاب الذي استوطن روحي فأحالها جحيما أسودا بعد أن كانت فردوسا يزدان بالأمل والتفاؤل. ولكنه وبرحمته تعالى لم يسلب عقلي الذي كان خط الدفاع الثاني في تلك المعركة حامية الوطيس. فالاكتئاب كالسرطان الخبيث يبدأ بروحك، فإن لم يتم استئصال جذوته استشرى إلى عقلك فأصابه بلوثة تدفعه لإيذاء جسدك إلى حد الانتحار أحيانا، عافانا الله وإياكم.

لأكثر من عام تجرعت ويلات الاكتئاب، ما أفقدني شهيتي عما لذ وطاب من طعام وشراب، وأطفأ البهجة التي تسري في روحي، وسرق السعادة التي تغمر قلبي تجاه كل شيء سبق واستمتعت به. ولكنني وبتوفيق من الله استطعت تسجيل نصر مؤزر عليه وأرديته صريعا على أمل ألا يبعث إلي كرة أخرى.

عدت إلى الحياة بروح غسلتها ماء التجربة، فأصبحت أرى الأمور على حقيقتها فلا أزيد درجة ورديتها ولا أطمسها سوادا إن كانت رمادية، وأدركت أن الألم جزء لا ينفصل عن حياة أي إنسان كما السعادة، يتصارعان داخلنا فلا يكاد يستقر أو يطيب لأحدهما المقام حتى يطرده الآخر وهكذا دواليك إلى الرمق الأخير فينا فإما إلى ألم أبدي والعياذ بالله أو سعادة سرمدية.

على ضوء ما مررت به، تمنيت متأخرة لو أنني توجهت لأحد المختصين بالعلاج النفسي ما من شأنه أن يمدني بسلاح إضافي وأساسي، لأنفض عن روحي غيمة الغبار التي غطت سماءها، ولخفف وطأة الاكتئاب وقصر من عمره واختصر طريقي إلى الشفاء .

على الحكومات أن تقوم بدورها في حماية المواطنين من كل من تسول لهم أنفسهم أن يقتاتوا على آلام وأوجاع الناس، وزجهم في غياهب السجن، فضلا عن غلق أوكارهم الظلامية بالشمع الأحمر.

ولكن العادات والتقاليد غير الصحية والمتناقضة، التي ترى في العلاج من الأمراض الجسدية ضرورة ملحة، بينما تعتبر السعي لعلاج الأمراض النفسية أو العقلية ضربا من الجنون، ويصم صاحبه بالعار ما حيا، على الرغم من أن رسولنا الكريم لم يميز ولم يفرق عندما قال: "يا عباد الله تداووا، فإن الله ما وضع داء إلا وضع له شفاء". بالإضافة إلى أن علماء الدين الذين تباينت آراؤهم واختلفوا حول السحر اتفقوا قاطبة على حقيقة الأمراض العقلية والنفسية، وشددوا على حرمة وخطورة التوجه لأوكار المشعوذين والدجالين، الذين يتسترون بعباءة الدين ليخفوا نواياهم الخبيثة لامتصاص واستنزاف أموال الناس. مستخدمين أبشع الطرق في معالجة المساكين الذين ظنوا أنهم يملكون ترياقا سحريا لشفائهم.

فكما حدث في سجن أبو غريب وغيره من سجون الظلام والظلم، استخدم أولئك وسائل ما أنزل الله بها من سلطان، على سبيل المثال لا الحصر: الصعق بالكهرباء، والضرب المبرح الذي يترك آثارا جلية على الجلد، فكأنه لا يكفي السواد الذي اتشحت به أرواح المرضى بل ينفذ مغطيا جلودهم. لذا تقع على عاتقنا جميعا المسؤولية في نشر الوعي بضرورة التوجه للأخصائيين لعلاج الأمراض النفسية والعقلية، وعدم الانجرار وراء الخرافات والخزعبلات.

وعلى الحكومات أن تقوم بدورها في حماية المواطنين من كل من تسول لهم أنفسهم أن يقتاتوا على آلام وأوجاع الناس، وزجهم في غياهب السجن، فضلا عن غلق أوكارهم الظلامية بالشمع الأحمر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.