شعار قسم مدونات

مواقف بلا معسكرات

blogs - spring
يقول كريم شاهين، مراسل صحيفة الجارديان، في حالة نشرها على صفحته بالفيسبوك (بالانجليزية): "أنظر برهة إلى تغطية اليمن وسوريا على قناتي العربية والمنار. في كلا الحربين أنت ضحية أو معتدي اعتماداً على الطائفة التي تنتمي إليها في نظر عرب آخرين. إذا أزلت أسماء الدول والمدن، من الممكن أن يكون حديثك عن نفس الصراع، ولكن إحدى مجموعات الضحايا من الجانبين هي التي تحوز على التعاطف".

ويقول شاهين في جزء آخر من الحالة: "الناس الذين يعارضون الإمبريالية الأمريكية (أي كان ما يعنيه ذلك الآن في القرن الواحد والعشرون) يدعمون من أعماق قلوبهم الإمبريالية الروسية وأحلام الهيمنة إذا رجعنا بالزمن إلى الوراء إبان خمسينيات القرن الماضي". فبالرغم من أن ما قاله شاهين في تدوينته بديهي ولكن أصبحنا دوما في حاجة إلى من يذكرنا بهذه الحقائق الإنسانية البسيطة والمواقف الساذجة والآحادية التي يروجها الكثير من الناس.

يكتب جيوش من الكُتاب، المحترفين وغير المحترفين، مقالات عن الصراع السوري ودموية النظام، فيما تتجاهل الأزمة الإنسانية في اليمن وجحافل الطائرات الحربية والحصار المسئول عنها.

عندما بدأت موجة الربيع العربي الأولى (وهي الأولى لأن الثانية ستأتي عاجلاً أم آجلاً)، كانت الاصطفافات أقل حدة مما آل إليه الوضع لاحقاً. ولكن مع أقلمة الصراعات التي تلت موجه الثورات أو قل الانتفاضات، صارت الاصطفافات أكثر استقطاباً في وضع أكثر تعقيداً. تشكلت منذ ذلك الحين تحالفات إقليمية غير مستقرة، وصار المتابعون والمختصون بالشأن الإقليمي يتأرجحون معها يميناً ويساراً بمواقفهم الإنسانية (حسب الطلب). فمنظمة العفو الدولية التي تدين في تقريراً لها جرائم حرب ارتكبها النظام السوري، لا يصبح لها محلاً للإعراب عندما ترصد انتهاكات تصل إلى حد جرائم حرب ارتكبتها فصائل معارضة سورية في إحدى المدن. وأما تقارير المنظمة التي ترصد الانتهاكات بحق العراقيين بطوائفهم فحدث ولا حرج.

يحضرني مشهدين فيما يخص سوريا. المشهد الأول في مقهى في بودابست حيث جالست برفقة مجموعة من الزملاء زميل كردي (حامل للجنسية التركية) كان يدرس في قسم الجندر. كان الزميل الكردي معروف بمواقفه الداعمة لحزب العمال الكردستاني في إحدى الفصول التي اشتركنا فيها عن الجاليات العرقية والدينية والمنظمات الإرهابية. عندما سألت الزميل في سياق حديثنا عن رأيه في التقارير التي كتبتها منظمة العفو بشأن التهجير القسري للعرب والتركمان بسوريا على يد وحدات الحماية الكردية، سكت لبرهة ثم أنكر إمكانية حدوث ذلك. والمشهد الثاني كان على صفحتي بالفيسبوك عندما تجاهل أحد الأصدقاء الافتراضيين تقارير منظمة العفو الدولية عن انتهاكات المعارضة السورية في حي الشيخ مقصود بحلب.

يقول البعض (سواء صدقوا أم لم يصدقوا) أنه ليس واجباً عليهم التعبير في كل لحظة عن موقفهم من كل أزمة إنسانية بالمنطقة. المشكلة هي أن الأحداث التي تجبر الناس على التركيز على صراع دون الآخر ثم تجرفهم تدريجياً عن متابعة الحدث الآخر بالمنطقة الأخرى بعين ناقدة. وهي لا تجرفهم عن الاهتمام بالحدث الآخر فقط، بل تصيبهم بالفتور مع الوقت. فيكتب جيوش من الكُتاب، من المحترفين وغير المحترفين، مقالات عن الصراع السوري ودموية النظام السوري فيما تتجاهل الأزمة الإنسانية في اليمن وجحافل الطائرات الحربية والحصار المسئول عنها، والعكس يحدث مع المعسكر الآخر الذي يعيش في حالة نكران. طبعا الانحيازات العرقية والطائفية بل والمؤثرات المادية يؤثر جميعها على مزاج الكتاب والمتابعين، الذين يهمهم كثيراً الوضع الإنساني لأهل سوريا ولأهل اليمن ولأهل العراق (طبعا كل منهم على حدا). ولا أقول هنا أن الجميع في حالة الاستقطاب تلك، بل أكثرهم.

سألت نفسي قبل إرسال هذه التدوينة ما إذا كان ما كتبته هو مجموعة كليشيهات مجمعة، أم أن ما كتبته به إضافة تستحق القراءة. سواء كان هذا أو ذاك، سأعود إلى هذه التدوينة في الأرشيف الخاص بي كلما جرفتني جيوسياسات الإقليم بعيداً عن الإنسان.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.